رؤية مستقبلية: تحديات القوميين العرب في السودان: حدود الوطني والقومي منظور إليها عبر الهوية والتطبيع

رؤية مستقبلية:

تحديات القوميين العرب في السودان: حدود الوطني والقومي منظور إليها عبر الهوية والتطبيع

بقلم: أحمد محمود أحمد

مدخل:

هذا المقال يحاول محاورة الأطر العامة والمنطلقات وكذلك الأحزاب، حيث يسعى لمناقشة واقع القوميين العرب، أو لنقل مأزقهم وهم يحاولون التوازن بين ما هو وطني وقومي، وبالتالي ضرورة طرح سؤال ما هي حدود الوطني والقومي؟ وكيف يمكن أن تكون قوميا عربيا في بلد تتنازعه اسئلة الهوية والانشطارات الأثنية، وتتراجع العروبة في مواطنها نتيجة لخيانة الأنظمة العربية لمنطلقاتها؟ وكيف يمكن أن تتم الموازنة بين القطري والقومي، وقد أصبحت الصراعات الداخلية تستحوذ على أكبر الانشغالات؟ كيف يستطيع القوميون العرب اتخاذ مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، ويعارضون التطبيع والبعض منهم شركاء مع سلطة تطبيع؟

هل الشرط القومي يبدو ضروريا حين النظر للقضايا الوطنية؟ ما هي الوقائع التاريخية التي تقوي من جدلية الوطني والقومي؟ لماذا لا تكون الأفريقية أو السودانيوية أو الإسلامية كبدائل للقومية العربية؟

محاورة الأسئلة:
الأسئلة السابقة الذكر تتأكد أهميتها عبر هذه المرحلة الراهنة نتيجة لصعود القضايا الوطنية ذات الطابع الإثني والجهوي، وتصدرها للمشهد السياسي في السودان، والأخطر في ذلك إن هذه القضايا تبدو معقدة، وقد تتحول إلى قضية تتجاوز الصراع السياسي إلى تهديد وحدة البلد. وفي هذه الحالة تصبح أطروحة مثل القومية العربية مواجهة بأسئلة صعبة ومعقدة، عندما يرى البعض بأن تأزيم الواقع السياسي نتج عن سيطرة العناصر العربية على المسيرة السياسية لتؤدي لتخلف ولإهمال المناطق غير العربية كما يري هؤلاء، ومن هنا فقد ظهرت في الواقع السوداني مصطلحات مثل العروبة – اسلامية، أو الاسلاموعروبية كتدليل لتطابق هذه الثنائية، وبالتالي السعي لتهميش الآخرين الذين لا يقعون ضمن هذه الدائرة..
الأهم في هذا الإطار فإن تلك الأسئلة التي طرحت في صدر هذا المقال يعني بها كل من اَمن بفكرة القومية والطرح القومي داخل السودان، حتى لو كانوا ضمن أحزاب لا تؤمن بالفكرة القومية ضمن اجندتها، وبالتالي ضرورة اجراء حوار عميق وشامل بين جميع الأطراف المعنية بواقع القومية العربية في السودان ومقاربة الوطني، والقومي ضمن رؤية تراعي التطور المختلف في بعض الجوانب للأقطار العربية.. هذا الحوار المطلوب تفرضه الضرورة نتيجة لواقع الأزمة التي رشحت في السودان ودخلت العروبة كحالة تأزيم للواقع ضمن منظور أصبح شائعا وسائدا..
تاريخية الفكرة القومية في السودان:
الفكرة القومية أو الأنتماء القومي وضمن تعريف مختزل، يشير إلى حالة الارتباط بالقضايا العربية والتفاعل معها، وليس بالضرورة أن يكون المنتمي حزبيا، ولهذا فقد نجد أفرادا عديدون هم قوميون عرب دون الالتزام بالصيغة الحزبية، ولكن الراجح إن التأطير الحزبي قد أعطى القومية العربية بعدا آيدلوجيا ربطها بمشروع النهضة.. ولهذا فإذا ما تتبعنا جذور القومية العربية في السودان، فيمكن الإشارة هنا إلى بعض الكتابات التي تعود بالقومية العربية والتوجه القومي إلى الثورة المهدية، إذ تشابهت هذه الثورة وتاثرت بثورات عربية كالثورة العرابية في مصر، والسنوسية في ليبيا، كما أن قادتها كان لهم نزوعا نحو الجارة مصر تمثل ذلك بمحاولة المهدي فداء عرابي بغردون، لو لا قتل الأنصار له(1). كما أن حملة النجومي المشهورة والتي جهز لها الخليفة عبد الله كانت ذات توجه يهتم بالبعد القومي بالرغم من الجانب الإسلامي الطاغي عليها والمرتبط بفكرة الفتح، وهذا ما نلحظه في طبيعة تلك الحملة والتي اشتملت على أسر أريد لها أن تقيم في مصر، واضعين في الاعتبار الرؤية المسبقة لتشابه المجال السوداني والمصري ثقافيا.. بغض النظر عن الاتفاق حول هذه الرؤية أو عدمها، إلا أنها تشير إلى اهتمام من قبل قواد هذه الثورة بالجارة مصر بأعتبارها مدخلا لبقية الاقطار العربية.. وإذا صعدنا بهذا التحليل إلى مرحلة الاستعمار البريطاني فقد برز هذا الاتجاه جليا عبر جمعية اللواء الأبيض، والتي اَمن زعماؤها بالعلاقة والوحدة مع مصر، بما فيهم علي عبد اللطيف، والذي رفض العروبة بشكلها العرقي المتخلف داخل السودان متماهيا مع البعد الثقافي والمرتبط بالعلاقة مع مصر، ونلحظ ذلك جليا في علم هذه الجمعية وشعاراتها.. وفي نفس الإطار فيمكن إجمال الحركة الاتحادية في هذا المضمار، وبالذات حزب الأشقاء…
أما من حيث الأفراد فمن الصعوبة تتبع ومعرفة كل الذين لديهم هذا الامتداد أو الانتماء القومي في السودان، ولكن دعونا نقف عند شخصية سودانية لا يعرفها الكثيرون، وهي شخصية أحمد حسن مطر والذي يطلق عليه السندباد لكثرة تجواله، فهو يعتبر من اعضاء جمعية اللواء الأبيض، وقد أتهم بقتل السردار لي استاك في القاهرة في نوفمبر 1924، ولكن تمت تبرأته.. وما يهمنا في هذا السياق مساهمة أحمد حسن مطر في القضايا العربية، فقد ذهب إلى الحجاز وأصبح ضابطا في الجيش العربي بقيادة الشريف حسين بن علي شريف الحجاز.. كما وأنه قد اتصل بعبد الكريم الخطابي في المغرب، وأسهم معه في النضال ضد الاستعمار الفرنسي(2).. كما إن أحمد حسن مطر، وعندما ذهب إلى امريكا اللاتينية في مرحلة الثلاثينات اتصل بالعرب هناك، واستطاع أن يكون رئيسا لاصدارات عربية معروفة حينها، وهو أول من أجرى عملية إحصاء للعرب المتواجدين حينها في تلك البلاد.
وهنالك نماذج عديدة يمكن إيرادها وبالذات الذين ذهبوا إلى حرب فلسطين، واستقروا هناك أو في الأردن فيمكن القول بأنهم قدانطلقوا من شعور قومي غير مؤطر.
لكن الجانب المهم والذي أعطى القومية العربية بعدا مهما في السودان، هو بروز الأحزاب القومية، وبالذات بعد مرحلة الستينيات من القرن المنصرم، والتي لعبت دورا مهما في تثوير الوعي السوداني، ومواجهة تيارات التخلف والنضال ضد الديكتاوريات، وتقف تجربة حزب البعث العربي الأشتراكي مثالا حيا لذلك، كما استطاع هذا الحزب كسر شوكة تيار الإسلام السياسي ومن خلال تعرية الخطاب الديني ضمن خطاب جديد يستوعب الدين، وضمن رؤية جديدة مغايرة لما هو مطروح في الساحة عبر مراحل الخمسينيات والستينيات وما تلاهما.
تحديات القومية العربية في السودان:
من أخطر التحديات والتي تواجه القومية العربية في السودان ترتبط بالظواهر التالية:
اولاً: تداعي الواقع السياسي السوداني والذي أدى إلى بروز الإثنيات والمطالبة بحقوقها السياسية محملة ما تطلق عليه العروبة-اسلامية مأساة وتدهور أحوال هذه المجموعات، وتحول هذا الصراع إلى صراع مسلح، ونشأ من خلال ذلك خطاب يقف ضد أي توجه عربي، ويدعو إلى الأفريقانية أحياناً، والسودانيوية أحيانا اخرى، واصبحت القومية العربية في اختبار أمام وجودها في السودان.
ثانياً: اتصال السودانيين بمجتمعات عربية بعد حقبة السبعينيات، وبالذات في دول الخليج أدت إلى ردة فعل سلبية تجاه العروبة نتيجة لواقع التخلف في هذه المجتعات، ونتيجة للاحتكاكات ضمن واقع شروط العمل غير الصحية، والتي يصبح فيها الكفيل هو رمز السيطرة، ويتصارع الغير من أجل الحفاظ على المكاسب، وقد يتأذى السوداني من سلوك عرب آخرين، وهذا يؤدي إلى تغيير النظرة تجاه العروبة ومضامنيها نتيجة لمواقف ذاتية، وحينها يصعب الفصل بين ما هو ذاتي وموضوعي..
ثالثا: الاخفاقات والهزائم التي حدثت في تاريخ العرب، لها انعكاسات سلبية على واقع القومية العربية في السودان.
رابعاً: النظرة الجنسانية، وتفشي منظور لون البشرة حين النظر إلى من هو العربي، وانعكاس ذلك على واقع القومية العربية في السودان، إذا برزت ظاهرة تنميطية شكلية للكيفية التي يكون بها العربي وبعيدا عن أية شروط ثقافية أو حضارية.. وظهرت كتابات تستهجن قول السودانيين بكونهم عرباً استنادا إلى ذلك المفهوم..
خامساً: عدم وضوح الرؤية لدى البعض عندما يتعلق الأمر بقضية الارتباط بالعرب، ومدى جدواها على المدى البعيد والقريب.
سادساً: بروز ثقافة العولمة ومن ثم تأثيرها على الانتماءات الوطنية والقومية.
أخيراً: التيارات الدينية، وكذلك التيارات التي تدعو للأفريقانية تشكل تحديا كبيرا أمام القومية العربية في السودان، والطرح القومي على وجه سواء.
هذه التحديات تطرح سؤالاً، لماذا وما هي ضرورة القومية العربية في واقع تتنازعه الهوية، ومرشح لانشطارات إثنية؟ وهذا سؤال معقد بتعقد الواقع نفسه، ولكن وفي نفس الاتجاه فإن الظاهرة القومية ظاهرة إنسانية تتشكل عبر التاريخ وتتداخل عوامل عديدة في تكوينها سواء كانت تاريخية أو ثقافية، وهي ليست شيئاً يفرض على الإنسان، إنما ظاهرة يجد الإنسان نفسه داخلها وهي في النهاية قضية اختيار عندما يتعلق الأمر بالانتماء والسياسة..
لكن الأهم فإن طبيعة التحديات التي تواجهها البشرية تعتبر تحديات ذات صيغة جماعية، أو بالأحرى فلا يمكن مواجتها إلا عبر تكتلات كبرى تراعي طبيعة الموارد و تنوعها، ولكن بضرورة أن ينسجم ذلك مع دائرة تشابك ثقافي وتاريخي يشكل واقع أمة ذات تطلعات واحدة.. لأنه وضمن قراءات مشروع ما بعد الاستعمار، فإن شروط النهضة تتطلب توافر عوامل وامكانيات تتجاوز حدود القطري، هذا إذا علمنا أن القطرية نفسها تقع ضمن نسق ومشروع ما بعد الاستعمار، وواقع التجزئة التي سعى إليها هذا الاستعمار وأراد لها أن تستمر بعد خروجه حتى داخل القطر الواحد.
يرتبط السؤال السابق بالكيفية التي يمكن أن يتم التوازن فيها بين ما هو قطري وقومي في ظل تنامي الصراعات الإثنية، وتحميل كل الانهيارات للعرب كما ينظر البعض إلى ذلك؟ وهي أسئلة حقيقية ومشروعة، لكن وفي نفس الوقت إذا افترضنا إنه إذا لم يوجد أي طرح يتعلق بالقومية العربية في السودان فهل هذا يغير من الواقع في شيء؟ فالقوميون العرب لم يستلموا سلطة ولم يحتكروا الثروات وما يستندون إليه من خطاب فهو خطاب سياسي يقدم رؤية تحاول تشخيص الواقع والوعي بالمشكلات في الواقع السياسي السوداني، ويدركون إشكالية الهوية ضمن تنظير جديد يحاول تجاوز رؤية القوى اليمينية التي حكمت السودان.. وضمن منظور تشريحي موضوعي، فإن تركيبة الهوية السودانية والموصوفة بالتعدد لا تتأتى لحمتها إلا عبر الثقافة العربية، ودون تحيزات لثقافة دون غيرها، وذلك لأسباب تاريخية معروفة، والتي وعلي الأقل، وعبر الراهن والمستقبل أي الثقافة العربية يمكن أن تلعب الدور التوحيدي لكل المكونات السودانية في ظل دولة ديمقراطية تحترم المواطن، وتساوي بين المواطنيين.. وهذا التعدد الإثني، أو القبلي، أو التنوع كوصف دقيق للحالة السودانية، إذا لم تتم معالجته ضمن إطار الوحدة فأنه من الراجح أن يتحول إلى قتال قبلي يؤدي للعودة بالسودان إلى مراحل ما قبل التاريخ.
ولهذا وحسب اعتقاد كاتب هذا المقال فإن الحلول للتنوع لا تتم إلا في أطر وحدوية، سواء كان ذلك على أساس وطني أو قومي.. لكن الوحدة في هذه الحالة لا تعني إنها وحدة ميكانيكية أو قسرية، إنما يجب أن ترتبط بالوعي بالتناقضات وتفهم رغبة كافة الأطراف التي ترى أن لها تمايزاتها، وهنا يجب أن نفسح مجالا لفكرة الحكم الذاتي ضمن الإطار الواحد، والذي يعزز من دور الثقافات ويسعى لاحترامها..
ولهذا فإن طرح القومية العربية في السودان إذا ما اشتغل بهذا الاتجاه فإنه لن يتناقض مع الواقع حين مراعاة تلك الشروط، بل يعزز من قوة وواقع السودان حين ربطه بالأقطار العربية الأخرى، وضمن احترام الخصوصيات القطرية، لأنه وفي هذه الحالة تصبح الأقطار العربية سياجا مهما يساعد في قضية التنمية، أو لنقل في مشروع النهضة ضمن إطار أشمل مستقبلا.. ولهذا فإن سؤال لماذا لا تكون الأفريقية، أو السودانيوية، أو حتى الإسلامية بديلا لمشروع القومية العربية، تتمركز اجابته ضمن الأطر الثقافية والحضارية، والتي تتحدد مرتكزاتها عبر اللغة والتاريخ المشترك، إذ أن اللغة هي بيت الكائن كما يقول هايدغر، وانها أي اللغة وكما يصرح جابريل كونت هي الجنسية نفسها، وهي الوطن حيا ومنغما في ذات كل واحد منا، إذن فإن الأفريقية والإسلامية لا تحققان الشروط التي تحققها القومية العربية استنادا إلى عامل اللغة، إذ يجمع الإسلام شعوبا عديدة، ومتعددة اللغات، وكذلك الأفريقية، أما السودانيوية فهي طرح انغلاق وهروب من الأسئلة الكبري.. لكن مع هذا فإن سؤال ماهية حدود الوطني والقومي يظل مطروحا وشاغلا لحركة القوميين العرب في السودان، ويتصاعد كلما تعقدت القضايا الوطنية، وفي الحالة السودانية فإن تعقيد هذه الأوضاع دوما ما يرتبط بدور النخية الشمالية، والمصنفة بكونها عربية وعدم قدرتها على تغيير هذا النمط من التفكير عبر منظور شامل، لحلحلة كافة القضايا الوطنية.. وضمن رؤية موضوعية.. فالانتماء القومي يجب ألا يتم على حساب الانتماء الوطني، إذ يبدو أن الذي يهتم بالقضايا القومية ينطلق بالأصل من هم وطني يرى من خلال ذلك الاهتمام اهتماما بجوهر القضايا الوطنية، ويجب أن تكون حدود الوطني والقومي لدى القوميين العرب بذلك الوضوح الذي يعي أن الأفكار الحقيقة لا تقفز على الواقع، ولا تقفز على المراحل، حيث يصبح البعد الوطني هو الخيمة الصغرى، والبعد القومي هو الخيمة الكبرى، إن جاز هذا التعبير، دون أن تطغي الخيمة الكبرى على الصغرى، أو أن يكون التحيز لما هو قومي يطغي على ما هو وطني، لأن الوطني هو مدخل القومي في ظل واقع التجزئة، والذي لن يكون وطنيا صحيحا لن يكن قوميا صحيحا.
تتنامى هذه الأسئلة والمرتبطة بحدود الوطني والقومي، عندما ننظر لمثال التطبيع والذي قامت به أطراف داخل الحكومة الانتقالية، والتي يشارك فيها قسم من القوميين العرب.. والملاحظ أن القوميين العرب قد تعاملوا مع هذه القضية بنوع من الارتباك نتيجة لعنصر المفاجأة، كما عكست خطوة التطبيع ضعف وتأثير القوميين العرب في الساحة، وبالتالي بروز حاضنة تقبل بمبدأ التطبيع حتي و سط بعض القوي السياسية… ولكن وحسب تقدير البعثيين، وباعتبارهم القوى الغالبة وسط القوميين العرب، فإن التطبيع لا تتخذه قوى ليست لديها شرعية جماهيرية، كما أن الخيار في مثل هذه الحالات يعتبر خيارا شعبيا، إذ لا يستطيع أي شخص أن يتخذ قرارا حول التطبيع، إذا لم تؤهله الجماهير وعبر صندوق الانتخاب لفعل ذلك، وهذه الحكومة الانتقالية ذات شرعية محدودة، ولهذا وفي تقدير البعثيين تحديدا، فإن قضية التطبيع ستكون من اختصاص الجهات التشريعية، ولقد كشفت قضية التطبيع واقع الحدود بين القطري والقومي، إذ لم ينسحب أحد من القوميين العرب احتجاجا على هذه الخطوة، وقد يكون هذا نتيجة لموازنات تتصل بتعقيد المسألة الوطنية عبر هذه المرحلة، وتغلب الهم الوطني على ما هو قومي..
لكن الذي لم يستطع فعله القوميون العرب هو عدم قدرتهم على تكوين جبهة موحدة لمواجهة التطبيع سواء كان السياسي أو الثقافي، كما فعل المثقفون المصريون في اعقاب توقيع معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني 1979 (3)، حيث استطاعوا تكوين ما عرف حينها بلجنة الدفاع عن الثقافة القومية، والتي لعبت دورا مهما في تسويج المجتمع المصري من الغزو الثقافي الصهيوني، وقد تجلت أولى فعاليات تلك اللجنة في عام 1981، حين شارك العدو الصهيوني في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إذ وقف المثقفون المصريون موقفا تاريخيا تمت فيه المقاطعة الكلية لجناح العدو الصهيوني.. ولقد كان تأثير تلك اللجنة كبيراً على القاعدة الشعبية، والتي ما زالت تقاطع العدو الصهيوني ثقافيا وسيكولوجيا.. هذا ما فشل فيه القوميون العرب في السودان.
السؤال قبل الأخير والمفترض الإجابة عليه هو المتعلق بالوقائع التاريخية التي تدعم المشروع القومي، أي هل تحققت وحدة من قبل بين المكونات العربية.. والشاهد إنه وقبل الإسلام فقد توحدت القبائل العربية، واستطاعت هزيمة الفرس في معركة زي قار بقيادة النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وذلك بالرغم من تحالف بعض القبائل مع الفرس، كما تفعل بعض الأنظمة العربية في تحالفاتها مع الاستعمار.. وبعد الإسلام فإننا يمكننا القول إنه قد برزت دولة شبه موحدة، لعبت اللغة العربية فيها الدور المهم.. ولكن مع هذا فإن مشروع الوحدة والمرتبط بالمشروع القومي الحالي يستند إلى مشروعيات جديدة ترتبط بالخيارات الشعبية والتوافق السياسي.
خاتمة:
هذا المقال حاول مناقشة التحديات التي تواجه القوميين العرب في السودان، فهي تحديات عديدة يقف سؤال الهوية كسؤال جوهري مرتبطا بسؤال حدود الوطني والقومي، والتي تعرض لها هذا المقال، ويبقى في النهاية سؤال كيف يستطيع القوميون العرب تطوير تجربتهم وطرحهم الآيدولوجي حتى يستطيعوا الإجابة على تلك الأسئلة، كما والمطلوب وعبر هذه المرحلة أن يعقد القوميون العرب مؤتمرا يسعى لجمع كل من يؤمن بالفكرة القومية وبالتالي مواجهة تلك التحديات.

هوامش:

1- محمد علي جادين، عبد العزيز حسين الصاوي.. الثورة المهدية- مشروع رؤية جديدة – الخرطوم 1987

2-سندباد من السودان.. تحرير وتقديم محسن خالد.. دار السويدي للنشر والتوزيع.. الإمارات العربية المتحدة.

3- حلمي شعراويو_ سيرة مصرية أفريقية – دار العين للنشر..الإسكندرية 2019