
لماذا يصرخون؟
مقاربة دينية وتاريخية لتعريف الفساد والظلم
بقلم: أحمد مختار البيت
وفروا الدهشة والذهول للقادمات من الأيام والفصول
ما هو تعريف الفساد في اللغة؟ وفي اصطلاح الفقهاء؟ وعند العامة؟ لقد تعود (الأنبياء الكذبة) منذ أن سطوا على السلطة في 30 يونيو 1989م تحريف الكلم عن مواضعه، وتزوير التاريخ والوقائع والتنكر للعهود والمواثيق، وإفراغ المصطلحات والكلمات من مضامينها، وتجيير كل شيء لصالحهم، ومصالهم الذاتية، حتى أسماء الخيرين في المؤسسات والمدارس التي شيدوها بحر مالهم منذ أزمنة بعيدة، سرقوها وكتبوا فيها أسماء زعاماتهم وقياداتهم (البروس).
ولم تحدثهم أنفسهم للحظة بأقدار التاريخ وتصاربف الزمان، ولم يتأملوا أيات القرآن الكريم (وتلك الأيام نداولها بين الناس) ولا اتعظوا بعبر الملوك، والأمراء، وظنوا بالله الظنونا، واليوم يكثرون الصراخ والحديث عن الحق، والقانون، والقضاء، وعن عدم أخذ الناس بشبهات السياسة، والتشفي في الخصوم، وكل ذلك مقبول ومطلوب من كل نظام، ومن كل إنسان صاحب ضمير، عاقل، مؤمن بقدراته، وبما قسمه الله له في الحياة من زرق حلال، ولكن أن ينسى المجرمون، والمحتالون، واللصوص، والمتاجرون في مأساتنا كل ما فعلوه طيلة ثلاثين عاما، ويأتوا الآن ليتذكروا الحق، والقضاء والعدل، ويتحدثوا عن جهدهم وكسبهم، وتحسينات مزارعهم، التي تحولت بقدرة قادر إلى مخططات سكنية وارفة (زرقا حلالا ساقه الله لهم) فهو الاستحمار بعينه، والإجرام ذاته، والإتجار بالمقدسات، وبكلام الله، ومن هنا جاءت كراهية الشعب السودانى، لهؤلاء القوم، فالذي باع نفسه لله، وأعلن الجهاد في سبيله، وظل يردد (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه)، وهذه مفردات واضحة المعاني والدلالة، لا يمكن أن يقتني القصور، والأراضي، والعقارات، والأموال، والعربات الفارهات، والجواري الغانيات، كأنه سيعيش في هذه الفانية أبدأ، مخلداً في الدنيا، التي يقول أنه لا يعمل لها، بل يعمل في سبيل الله، ومعرفة الحق والعدل لا تتم بالمتاجرة بشعارات الإسلام، فقد رفع القوم المصاحف فوق أسنة الرماح، ولم يكن معهم الحق. والسودان أكبر دولة في العالم، فيها سبل الله، التي تحتاج للجهاد، فها هم ملايين المشردين في الطرقات، والمضطهدين بالمواجع والآهات، والأيتام والأرامل والمرملات، والفقراء والمساكين، والكادحين، والكادحات في الأرض، الذين يساوي أجر إطعامهم، أجر بناء ألف مسجد مفروش بالموكيت، ومزين بالثريات والتحف الإيطالية والتركية.
2
هل يحتاج الشعب السوداني لتعريف جديد للفساد والحلال والحرام؟ وهي اليوم تمشي على رجلين، وتتحدث بها أرجل وأيدي وشفاه المجرمين، وتطل برأسها كلما حاولوا اخفائها في الساحات والعمارات والميادين، وفي مأساة هؤلاء الطيبين.
مجيء الإنقاذ في حد ذاته، فساد في الأرض، والدليل الخراب والدمار الممنهج الذي حدث في كل مجالات الحياة في السودان بمجيئها، وكل من حاز وظيفة، أو موقع، أو مال، أو عقار، أو مزرعة، أو منزل، أو سفرية، أو مأمورية، أو عقد عمل، أو مضاربة، أو مرابحة، أو عطاء، أو أي منفعة خاصة، عن طريق المحاباة أو المجاملة، أو عن طريق التمكين، أو إقصاء الآخرين، أو حصر التنافس في أشخاص محددين، فهو فاسد، والفساد خشم بيوت، واليوم فساد الإنقاذ والمؤتمر الوطني ومؤسساتها، فساد هيكلي ومؤسسي، بمعنى أن الفساد يتم وفق قوانين الدولة وإجراءاتها، وبعلم قياداتهم، كما نقلت قناة العربية، لصالح أفراد، أو لصالح التنظيم المؤتمر الوطني وأذرعه الأخطبوطية، الذي هيأ مؤسسات بشعارات وأسماء وعناوين إسلامية للتمويه، وخداع البسطاء من السودانيين، وبعض الصادقين من الخيرين في (مدن الملح) الذين فاضت خزائنهم بالأموال، فتذكروا الفقراء والجوعى، في رواية الأشجار وأغتيال مرزوق، فتبرعوا ببعض الأموال لأن الشراك خدعتهم.
3
لماذا يصرخون ولجنة تفكيك وإزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، تعمل لإعادة كل تلك المنهوبات إلى وزارة المالية، القيمة على كل مال أهل السودان، لتنفقه حسب مقتضى الحاجة، (المستحقين من الجوعي، والمرضى، والمكورنين) الذين أصابهم فيروس كورونا، والمساكين، وأبناء السبيل، وطلاب العلم، وضحايا الحروب، والمساجين وعلى الجند المجاهدين في الثغور والمرابطين في الجبهات، والمهاجرين والذين تقطعت بهم السبل، في جهات الأرض، أليس هذا هو ما يدعوا له الإسلام؟ الذي تعمل فيه اللجنة، المساواة والاشتراكية في الموارد والعدل في الإسلام.
ألا تذكرون قصة سيدنا عمر في المسجد مع الأعرابي الذي قال له: (لا سمع ولا طاعة إلا أن تخبرنا كيف يكون ثوبك طويلاً وأثوابنا قصيرة) ألم يقرأ الذين يصرخون الآن قصة الفاروق مع إبنه حين (وجد إبله ثمينة، وإبل الرعية عجفاء من الجوع) كيف يريد الكيزان أن نصدق أقوالهم وهي تناقض أفعالهم، وشهوة التملك، ونهم وطمع نفوسهم تفيض بها عيونهم، وتنضح بها حياتهم. وسلوكهم لا يشبه الإسلام، لا من قريب ولا من بعيد، الإسلام الذي نعرف والذى قرأنا في كتب التاريخ عن أبطاله ورجاله ورموزه، أهم ما يميزهم الصدق في القول والعمل وجهاد النفس ومغالبة شهواتها، ولكننا رأينا الكيزان يجاهدون في المسلمين المساكين، والفقراء المعدمين، ويأخذون أراضيهم وما يسدون به الرمق كغنائم حرب بواسطة أجهزة الدولة وقوانينها، ونسوا كلياً جهاد الأعداء، بعد فصل الجنوب، وأهوال وتراجيديا الموت في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، التي أقاموها، بل نسوا الجهاد الأكبر، وشيدوا على جماجم ضحايا الحروب، والأطفال، والأرامل، قصور وأندية البذخ والرقص، على حساب فقراء وأبرياء السودان. أي إسلام هذا الذي يتحدثون عنه؟ هل هو الإسلام الذي بعث به الرسول (صلى الله عليه وسلم) أم يقصدوا تاني دين (شكراً للرائع عبد القادر الكتيابي)
لقد أخفقت لجنة تفكيك التمكين ومحاربة الفساد واسترداد المنهوبات اذا لم تعمل بقانون من أين لك هذا؟ وتبدأ بكل أهل السلطة من أي جهة كانوا، وفي أي زمان، حتى يخف صراخ الكيزان فقد سمعنا الجيران.. يا إخوان.