
عنفوان الانتفاضة طاقة السلطة الانتقالية لتحقيق التطلعات الثورية وتصفية التمكين والاستبداد والفساد
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
قيادة قطر السودان
جماهير شعبنا الأبي:
يستعيد شعب السودان، وبمختلف فئاته الاجتماعية والعمرية، وقائع الملحمة الشعبية، التي فجرت مخزونه الثوري الهائل، في ديسمبر، ليفاجئ نفسه ويذهل العالم من حوله، باسقاط هرم النظام الفاشي، في 11 أبريل 2019، بعد أن سطر وقائع ملحمته البطولية، بالإبداع في وسائل نضاله السلمي، والذي تغذى بأرواح الشهداء، ودماء الجراحات، ومعاناة المعتقلين والمفقودين، وضحايا الحروب والنازحين، والباحثين عن كرامة الحياة، في تيه الصحاري والاغتراب، والآمال العراض التي تجيش في أعماق الطلاب والشباب والخريجين، وهو ما أكسبها القاعدة الشعبية الواسعة والنفس الطويل، والقدرة الفائقة في الحفاظ على السلمية ودقة الفنون في التنظيم. بهذا المستوى النوعي من النضال، والإيمان الذي لم يتزحزح في الانتصار، صوبت حراكها للاحتشاد أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، دون إذن أو تسهيلات من أحد، في السادس من أبريل، وهي تستلهم من تاريخها النضالي، ولتدفع بالجيش ليستلهم هو الآخر من تاريخه، كيف ترجم (جيش واحد شعب واحد) إلى الانحياز لشعبه. فقد أكدت التجربة الوطنية أن انتقال السلطة الثورية من الدكتاتورية، لا يتحقق سلمياً الا بانحياز الجيش للانتفاضة، حتى وإن أنجزت اللحظة الحاسمة بالدخول في الإضراب العام والعصيان المدني.
يستحضر شعب السودان الذكرى الأولى لمأثرته الخالدة وقد ازدادت معاناته، وتفاقمت الأحوال المعيشية، و مع ندرة السلع الضرورية، وصلت أسعار السلع والخدمات إلى مستويات لا تطاق، بينما الجنيه يشهد تآكل يومي في قوته الشرائية، وتراجعت قيمته إلى أكثر من الضعف، أمام الدولار خلال هذا العام.
يا صناع الانتفاضة وحماتها:
وفق ميزان القوى التفاوضي بين المجلس العسكري، الذي تحرك لملء الفراغ واستولى عملياً على السلطة، وقوى الحرية والتغيير، والمزاج العام الذي تبلور حول حكومة كفاءات وطنية مستقلة، تم تكوين مجلسي السيادة والوزراء، وبموجب الوثيقة الدستورية بعد أكثر من أربعة أشهر من مفاوضات معقدة، وليست بمعزل عن ظرفها.
حدّت تركيبة السلطة الانتقالية، وليدة ذلك المخاض، من قدرتها في الاستجابات الثورية الحاسمة لتحقيق العاجل والإسعافي من التطلعات الشعبية، ومن الإسراع أيضاً في محاسبة رموز النظام بمحاكمات علنية، واسترداد الأموال المنهوبة والمجنبة، وتصفية التمكين، وإعادة بناء جهاز الدولة واستكمال هياكل الانتقال، بتكوين المؤسسة التشريعية، وتعيين الولاة والحكم الولائي، والمفوضيات، والمجالس الاستشارية.
ومما زاد الأوضاع تأزماً، عدم التوصل لسلام شامل، والاستمرار بذات سياسات النظام ونهجه في الجانب الاقتصادي، وعدم توظيف القاعدة الشعبية الواسعة، التي لم تحظى بها أي حكومة في تاريخ السودان والمنطقة، في الأداء التنفيذي لحكومة انتفاضة أدخلت البلاد في مرحلة ثورية.
لقد تحمل شعب السودان معاناة قاسية ولأكثر من ثلاثين عاماً، تجلى في تحويلها إلى طاقة نضالية، ووعي، مكناه حتى الآن، من الصبر والاحتمال، على تمدد معاناته، وتصديه لقوى الثورة المضادة، ووقوفه حائلاً دون سعيها الحثيث للحيلولة دون استكمال مهام الانتقال وتوظيفها لمعاناته والظرف المؤاتي.
يا بنات وابناء شعبنا الأوفياء:
إن الوفاء للانتفاضة الثورية وتضحياتها وتطلعاتها الشعبية يقتضي أن يكون الاحتفال بذكراها، والتي تزامنت مع التدابير الوقائية لجائحة كورونا، تجديداً لحيويتها وعنفوانها وروحها الاقتحامية، بتقييم الأداء، وليكون منطلقاً لتحقيق ما لم ينجز وفق رؤية تتوافق عليها ثلاثية مجلسي السيادة والوزراء والمجلس القيادي لقوى الحرية والتغيير يصمم في مخطط زمني لمهام محددة بمسئوليات محددة ووفقاً للاختصاصات كما في الوثيقة الدستورية، يعلن للشعب، ليكون مشاركاً وحكماً ومتابعاً، وأن تنتظم الثلاثية في اجتماعاتها، لمزيد من الانسجام، والبعد عن التنافسية والفردية، وبالإسراع في تكوين المؤسسة التشريعية وتعيين الولاة، وتوسيع لجنة تفكيك النظام ومحاربة الفساد، لتشمل كل المؤسسات الاتحادية والولائية وإنفاذ قراراتها. وبالإعلان عن نتائج لجان التحقيق التي تشكلت في قضايا مختلفة.
إن حلول الضائقة المعيشة، وتوفير السلع والخدمات، لا يتحققان، إلا بتفكيك منظومة المصالح ومافيا السلع التي تحتكرها وتسيطر على قنوات توزيعها، واحلالها بمؤسسات القطاع العام وشركات المساهمة العامة والتوسع في انتشار التعاونيات الاستهلاكية والإنتاجية، وفي توجيه الجهاز المصرفي لتمويل ذلك إضافة إلى التوسع في تمويل الإنتاج والمنتجين والاستثمار وفق خارطتي الصناعة والاستثمار وبالاتجاه لتحقيق التوازن التنموي، بين القطاعات الاقتصادية، ومناطق البلاد المختلفة.
كما أن عودة الدولة لأداء وظيفتها الاجتماعية في توفير ودعم السلع والخدمات الضرورية ليس كأحد واجباتها فحسب؛ وإنما كواحد من مطلوبات الإصلاح الاقتصادي، والذي لن يتحقق إلا بالثقة في مقدرات الاقتصاد الوطني وحشد الموارد الذاتية وسيطرة الدولة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من خلال التوازن بين تعدد القطاعات ( القطاع العام والخاص والتعاوني) وعليه نجدد رفض حزب البعث العربي الاشتراكي للاستمرار في سياسات التبعية والخصخصة على نطاق واسع بالرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي بتحرير أسعار السلع والكهرباء وتعويم قيمة الجنيه، ونجدد المطالبة أيضاً بإصدار عملة جديدة كضرورة وطنية لوقف انهيار العملة الوطنية جراء التزوير والمضاربات، ودخول كتلة منها للسوق والتداول دون ان تمر بإدارة الإصدار ببنك السودان، وإعادة التدقيق في حسابات الموازنة والإصلاح القانوني المرتبط بها وفي مقدمتها الإصلاح الضريبي ورفع ضرائب شركات الاتصالات إلى 65% كما هو ساري عليها في العالم.
قوى الحرية والتغيير، مطالبة بالارتقاء بدورها وبتوسيع أطرها الجماهيرية وتعزيز صلتها بالشعب لتكون بالفعل الحزب القائد للمرحلة والداعم الحقيقي لسلطة الانتقال، وعلى لجان الخدمات والتغيير والمقاومة ان تتوسع بمزيد من الانفتاح على الشعب ليكون بالفعل المشارك في صنع القرار والمراقب لتنفيذه مع السلطات الحكومية وفي كل ما يتعلق بشئون حياته.
تحية إجلال وإكبار لشهداء النضال الوطني، وتحية خاصة لشهداء الانتفاضة
وعاجل الشفاء لجرحى صولاتها وعوداً حميداً للمفقودين
ومن نصر إلى انتصار على طريق تحقيق مهام الانتقال
حزب البعث العربي الاشتراكي
قيادة قطر السودان
11 ابريل 2020م