سمعت مقطعاً صوتياً لحسين خوجلي يتحدث فيه عما أسماه بالإسلام العريض، ولم يكن الأمر ليثير الإهتمام لأنها كانت مجرد بكائية، حاول أن يسند بها طوله المتداعي، ويشد حيله المرتخي، وأن يتملق ذاته حتى لا تبدي ما بها من جزع وخوف، مثله مثل أقرانه إلا أنه ومن حيث أراد إظهار ثباته، وإخفاء ما بداخله، أظهر العكس تماماً بكلماته الراجفة وخطابه المفلس الفقير وعنتريته الزائفة والتي يهزمها تاريخاً معلوما للكافة.
لذلك سأتناول ما طرحه باسم الإسلام العريض، لأن هؤلاء الناس درجوا على اختراع مثل هذه الأساليب كلما أحسوا خطراً داهماً يتهدد كيانهم ووجودهم، يحاولون استغفال التاريخ واستهبال الناس ومراوغة الذاكرة الجمعية للشعب، علهم يستطيعون الإفلات كما سبق أن نجحوا، ولعل ذاكرة شعبنا تحتفظ بهلع الأخوان المسلمين ومحنتهم بعد انتفاضة مارس/أبريل وهتافات الجماهير تطالب بتصفية آثار مايو ممثلة في ركائزها الاقتصادية ومؤسساتها المالية والمنظمات والكيانات التي أسسوها إبان تحالفهم مع النظام المايوي في أبشع سنوات حكمها حتى قبل الانتفاضة بأيام، وكانوا وقتها ملاحقون بذات الاتهامات التي تواجههم اليوم (بدرجة أقل طبعاً) مثل الثراء الحرام والمتاجرة بقوت الشعب والفساد، بل كانت هناك بلاغات مفتوحة أمام المحاكم (قام الترابي بشطبها بعد تقلده وزارة العدل) وفي ظل هذا الحصار والمحاسبات المتوقعة ولمحاولة فك الطوق عن العنق واختراق العزلة المفروضة على التنظيم، تفتقت عبقرية الترابي عن نظرية الهروب إلى الأمام ومحاولة الاختباء خلف بعض عناصر ومؤسسات المجتمع وأطلق ذات الحديث الذي حاول تكراره حسين خوجلي اليوم إذ اتجه نحو زعماء القبائل والطرق الصوفية وأنصار السنة بالوقت ذاته، وجماهير الانصار والختمية، ولعب على وتر الدين والكفر، والشريعة والعلمانية ورغم رأيه الواضح جداً في كل هذه المجموعات ولكن انتهازيته وميكافليته جعلته يخاطبهم بتخويفهم من الكفار والعلمانيين ويرغبهم بما تحت يديه من أموال منهوبة ونعيم كان يمنيهم به، فتلقفت دعوته كل العناصر الانتهازية والمنتفعة ضمن هذه المكونات واستجابت له وأسست معه حزب الجبهة القومية الإسلامية، والذي لعب دوراً محورياً لافشال النظام الديقراطي حتى أجهزوا عليه وسطوا على السلطة في 30 يونيو، المشؤوم، ومن ثم فتحوا أذرعتهم لبقية الأرزقية والنفعيين من كل حدب وصوب تحت مظلة الوعاء الجامع لكل لصوص البلد وانتهازييها باسم المؤتمر الوطني (مع شظاياه).
والآن وبعد ثلاثين عاماً يريدون إعادة الكرة وبذات الأدوات تداعب مخيلتهم أوهام النجاح كما حدث قبلاً، ولكنهم يتناسون أن مياهاً كثيرة قد عبرت وأن خطتهم مقضي بفشلها لسببين:
أولهما: أن شعبنا قد بلغ من الوعي مبلغاً متقدماً بالقدر الذي يجعله على علم ودراية كافية بمخططات الكيزان، وكل قوى الثورة المضادة وتجلي ذلك في شعار (الشعب اقوي والردة مستحيلة) الذي يهتف به الثوار ضد محاولات الالتفاف على الثورة وأهدافها.
الثاني: أن كل أشباههم ونظائرهم من اللصوص والمنتفعين والانتهازيين ضمن هذه التكوينات التي توجه لها بالنداء قد سبق لهم الالتحاق بسفينة الإنقاذ وها هم يغرقون معها ولم يتبقَ إلا الشرفاء، الذين يستحيل عليهم الالتحاق بصفكم البائس وخندقكم الغريق، بل هم قد حسموا أمرهم والتحقوا بصف الثورة أملاً وقضية، وبعضهم في السجون وبعضهم تعرضوا لكل ما تعرض له شعبهم من قمع وتنكيل على أيديكم النجسة، وغداً سيحتفلون مع شعبهم بالنصر الأكيد بإذن الله.
الأمر الثاني قال: (إننا لم نخرج بعد!) إذن فمن هؤلاء الذين يدافعون عن اللصوص والسراق، من الذين يعتدون على حرمات البيوت؟ من الذين يتحرشون بالحرائر ومن الذين يقمعون ويقتلون اليوم؟ كل ذلك لا يفعله شعبنا الكريم، فقط أنتم أبالسة الإسلام السياسي وحراس فساده وظلمه، طبعاً ربما أتفق معك إن كنت تقول أن الإسلام لم يحكمنا لأن الذي حكمنا هو الإسلام السياسي والإسلاميون، وعلى كل حال نحن قادرون على التفريق بين الإسلام والإسلام السياسي (عريضاً كان أو ضيقاً) وبين المسلمين والإسلاميين الذين حكمونا زهاء سبعة وثلاثين عاماً، سبعة مع نميري وثلاثين لوحدهم، وكان ناتجها هو حالنا اليوم فلا ترفع عقيرتك بالبكاء والنواح واستعن بالمثل الشعبي (الصقر كان وقع كُتر البتابت عيب!) وإن غداً لناظره لقريب..
وسوف ترى..
#وتسقط_بس
##وتسقط_بس