إذا كان من حق نساء العالمين الاحتفال بيوم الثامن من مارس كيوم عالمي للمرأة العاملة، وتأريخ لكفاحها، فإن السودانيين من حقهم الاحتفال بديسمبر ويناير ومارس كشهور للمرأة السودانية، من كل عام، لما قدمته من بطولة وجسارة وصمود ووعي متقدم بالحقوق وفي مقدمتها الحق في الحرية والعدالة والمساواة والعيش بكرامة في وطنها.
صحيح أن المرأة السودانية سجلت اسمها في صفحات التاريخ البعيد، وهي تكافح وتناضل ضد المستعمر، ولكنها كانت مواقف معزولة عن حركة المجتمع، كانت قصة رابحة الكنانية مع جيش راشد بك، ومهيرة بت عبود مع قوات الغزو التركي، ومندي بنت السلطان عجبنا مع تجريدة العدو البريطاني، مواقف مضيئة في مسيرة حواء السودان، وفي العصر الحديث سجلت السودانيات، زوجة علي عبداللطيف والسريرة مكي ورائدات كثر في الحركة النسوية مواقف مشرفة يحفظها لهن التاريخ، إلا أن دور المرأة في الحراك الراهن قد برز بشكل ملفت لكل المراقبين والمتابعين لحركة النهضة النسوية في العالم والمنطقة، وقد كان للوعي النسوي بالمرحلة وبقضايا العصر وتحدياته واتساع دائرة التعليم والقوانين وتطبيقاتها المتعسفة، والفهم المتخلف للإسلام عوامل دفعت بالمراة السوانية، خاصة الأجيال الجديدة التي تفتح وعيها على العلم والثقافة ومنجزات العصر، لتحتل موقع الصدارة من الثورة الجارية الآن في السودان، منذ التاسع عشر من ديسمبر 2018 وحتى اليوم، بفرادة وشجاعة أدهشت أجهزة القمع نفسها، فكان صمود الفتيات أمام القمع والضرب والتعذيب من عوامل استمرار ونجاح الثورة وتجذرها في كل شرائح المجتمع السوداني وفئاته، وقد أدخلت المراة السودانية أساليب غير مألوفة في المدن والجامعات منها الزغرودة، وهي موروث سوداني يثير حماس الرجال ويدفعهم إلى الثبات في المعارك والميادين، وإن كانت الزغرودة في السابق تطلق بعيداً عن ميادين النزال ،فالمرأة اليوم تزغرد وهي تسير كتفاً بكتف مع الرجال، ويحق للمؤورخين أن يطلقوا على الثورة السودانية الجارية الآن ثورة الشباب، فقد أفرزت أجيال جديدة لا تعرف الخوف والتردد وأنصاف الحلول وتقلبات السياسة، فقد حسمت المرأة منذ اليوم الأول لانطلاقة الانتفاضة، موقفها بشعار مركزي ونهائي وبلا أي ظلال سياسية، تسقط بس، وتمسكت به.
ويجدر بالتوثيق أن ثقافة الثورة أنصفت المرأة. واليوم مئات القصائد الشعرية والأغاني والمقطوعات الغنائية واللوحات الفنية تمجد المرأة السودانية وتبرز دورها المتجاوز في ثورة التغيير والبناء والأمل، وبذلك تضيف المرأة إلى سجلها في التاريخ صفحات ناصعة من النضال السلمي الذي يناسب طبيعتها وتكوينها ومزاجها، وتؤرخ للمستقبل مواقف شامخة نفاخر بها الأمم والشعوب.