المساعد الرئاسي والغيبوبة السياسية

بقلم: محمد الأمين أبو زيد

أجرى الصحفي فتح الرحمن شبارقة حوارا صحفيا مع دكتور فيصل حسن إبراهيم، مساعد رئيس الجمهورية، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حول خطاب الرئيس الذى قدمه عشية الجمعة 22/فبراير وما يعقبه من تطورات سياسية على مستوى الحزب والدولة.
وصف الصحفي ـ في مقدمة حواره ـ افادات دكتور فيصل بالمهمة، وهو وصف بعيد عن مضمون الافادات، التي تعكس  غيبوبة تامة تعيشها المنظومة الحاكمة..
سنحاول في هذا المقال استعراض الافادات وتفنيدها في مقاربة لتبيان حالة الغيبوبة المفترضة من كاتب المقال.
(1)
يفترض السيد المساعد حسب افادته إن الوضع الماثل هو أزمة اقتصادية لها اسقاطات سياسية، وهو في ذلك بدءا يتنكب الطريق الخطأ، فالمعلوم إن الأزمة هي في جوهرها أزمة سياسية، وأزمة نظام سياسي، أفضت إلى مسيرة فشل كامل في كافة جوانب الحياة، وما الحالة الاقتصادية إلا إحدى تمظهراتها، وإن شئنا الدقة فهي أزمة مشروع ومنهج حكم، ظل متحكما في مصائر البلد بالإرهاب والاقصاء والتسلط..
(2)
يشير السيد المساعد في افاداته إلى أن الحوار الوطني هو المرجعية الأساسية التي جمعت كل أهل السودان! وأظنه بتلك الإفادة يقصد حوار الوثبة، والذي لم يلتزم به الحزب الحاكم، وفق ما قررت أطراف الحوار المشاركة فيه والتي سبق لها الانسحاب من داخل المجلس الوطني عند مناقشة قانون الانتخابات.. وانسحاب بعض أطرافه من الحكومة بعد اندلاع ثورة ديسمبر، وظلت أطرافه تتهم المؤتمر الوطني بعدم الجدية في تنفيذ مخرجات الحوار، فكيف يمكن أن يكون حوارا لم يحز على ثقة أطرافه، أن يمثل أهل السودان؟ والقوى الرئيسة في المعارضة المدنية والمسلحة غير مشاركة أصلاً في مخرجاته ومداولاته!؟
(3)
الطوارئ لحفظ الأمن القومي..!
أي كانت مدلولات حالة الطوارئ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فهب ارتبطت بحالة الثورة التي يخوضها شعب السودان، والتي دخلت شهرها الثالث، وقد سبق أن وصفتوها بالاحتجاجات المحدودة، وغير المؤثرة، فما الذي استجد وجعلكم تلجأون إلى فرض حالة الطوارئ، والانتقال من محدودية التظاهرات إلى جعلها مهددا للأمن القومى؟ أليست هى الغيبوبة التي تعيشونها؟!
إن الشعب الأعزل وهو يمارس حقه الدستوري في الرفض والتظاهر والتعبير، لا يمثل هذا الفعل تهديدات للأمن القومي يستلزم إجراءات استثنائية (طوارئ) وهي ممارسة فعلا بفرق الموت التي تقتل المتظاهرين، وتعتقل، وتدخل البيوت، وتمارس كل التجاوزات دون وازع أخلاقي، أو ضمير، فما الجديد الذي تنوي سلطتكم فعله يا سيادة المساعد!
(4)
الاحتجاجات تهدد معاش الناس! كثير من السلع تهرب!
الاحتجاجات تهدد معاش الناس (دي بالغت فيها بوليغ)، يا دكتور، وأنت تبتدر افاداتك بالاقرار بالأزمة الاقتصادية، والرئيس يقر بمشروعية مطالب الناس في تحسين معاشهم! أصحى يا مساعد!
أما الحديث عن سلع تهرب، وخاصة الذهب، كمبرر لفرض قانون الطوارئ، فمما لا شك فيه أنك وطاقم الدولة يعرف جيدا من يهرب السلع والذهب خاصة، وأين تذهب العوائد، وهذا جزء من امبراطورية الفساد التي لا يستطيع النظام محاربتها لأنها إحدى أزرعه، وفي هذا نرجو احترام العقول والبعد عن الخداع والتضليل!
من جانب آخر لا تعوز  القوانين السارية إلا الفاعلية في التطبيق لمحاربة الجريمة والفساد..
(5)
الرئيس ظل على الدوام يكرر أنه على مسافة واحدة من الجميع!
بدءا الرئيس لا يمثل إلا حزبه وحركته التي اختطفت السلطة بانقلاب عسكري، فهو في الأصل فاقد شرعية التمثيل مطلقاً.. ومن ناحية أخرى كيف لرئيس يقف على مسافة واحدة من الجميع وهو يعتبر قتل المتظاهرين قصاصا تأخذه الاجهزة الأمنية بأفواه بنادقها بكل عشوائية؟ كيف لرئيس يقف مسافة واحدة ويفقد البلد أكثر من خمسين متظاهرا سلميا لا يذكرهم ولا يترحم حتى على أرواحهم، إلا بشكل خجول بعد مرور أكثر من ستين يوما؟ كيف لرئيس يقف مسافة واحدة من الجميع ويصف شعبه بالمندسين والمخربين، ويشتم القوى المعارضة، وتعتقل أجهزته الأمنية قادتها، وتمارس بحقهم التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي؟
أي مسافة تقصد، ويقصد رأس النظام، وهو يقول على الملأ (إننا حركة إسلامية كاملة الدسم وما دافنين دقنا)، أي مسافة تقصد، إنها الغيبوبة ذاتها…
(6)
إرجاء النظر في التعديلات الدستورية بطلب من الرئيس!
مؤتمر الشورى اختار الرئيس مرشحا!
طلب الرئيس من المجلس الوطني  إرجاء النظر في التعديلات الدستورية التي تستهدف إعادة رئاسته لدورة جديدة، امعانا في الاستمرار في حالة اللاشرعية التي يتربع عليها منذ 89، لم تكن إلا بفعل الضغط الشعبي الذي فرضته الثورة..
يفيد دكتور فيصل بأن مؤتمر الشورى إختار الرئيس مرشحا ل2020، كيف للشورى أن تختار مرشحا دون أن تبتدر بدءا تعديل الدستور داخل المؤسسة التشريعية؟ وهذا يطعن في الاستقلالية التي أشار إليها السيد المساعد في مقدمة حواره بشأن السلطة التشريعية، وهذا هو جانب من جوانب الأزمة السياسية التي أشرنا اليها في مقدمة المقال، حيث لا استقلالية لجهاز تنفيذي، ولا تشريعي، ولا قضائي، في ظل سيطرة الحزب الحاكم، هذا ما يجب الإقرار به، وعدم مدارارته بعيدا عن النفاق السياسي.
(7)
المؤتمر الوطني قاد أكبر استقرار مع شركائه في الحوار..!
هذه الإفادة تذكرني بحكاية (العربى البكبر صلبو بالدلاقين)، عن أي استقرار وشراكة يتحدث سيادة المساعد، والبلد تعيش أزمة شاملة في كافة مناحي الحياة، وأطرافها مسكونة بالحروب، ويتحدث السيد المساعد في مستهل حواره عن أزمة اقتصادية وسياسية، اضطرت رأس النظام إلى فرض حالة الطوارئ ! وأبعد من ذلك يرتد إلى مربع الانقلاب الأول في محاولة للبحث عن حلول لأزمة تنكب طريق الوصول اليها هو وحزبه بالغيبوبة التي باتت مسيطرة على كل مفاصل السلطة، والتي ستفيقها منها ثورة الشعب المتصاعدة، وحينها لا ينفع الندم، ولا الفهم، ولن تنتج الطوارئ للنظام إلا مزيداً من العزلة الشعبية