تحدث الفريق أول ياسر العطا أمام مؤيديه، متوعدًا صندوق الانتخابات بالانقلاب عليه إن جاءت نتائجه لصالح الأحزاب. وقال بوضوح إنه، بعد أكثر من عشرة أعوام، وحتى إذا أُحيل إلى المعاش، سيعود ليقود انقلابًا على تلك الأحزاب إذا اختارها الشعب للحكم ديمقراطيًا!!!
وهل الجيش نفسه الآن مؤهل ليحكم بعد أن تم إضعافه لصالح المليشيات متعددة الولاءات، على أسس قبلية وجهوية، بعقيدة موغلة في العن-صرية، هذا إذا افترضنا جدلًا أحقيته في الحكم؟
إنه أمر غريب حقًا أن يعلن جنرال في الخدمة العسكرية رفضه الالتزام بنتائج صناديق الاقتراع، ومعاداته الحزبية، التي تمثل أساسًا في تعزيز الانتماء الوطني ومدنية الدولة والتعددية الديمقراطية.
فمن أين له كل هذه الثقة بأنه سيعيش عشرة أو خمسة عشر عامًا إضافية ليتوعد بها ويهدد؟ ومن الذي منحه وعدًا بمعاش مميز يتيح له التواصل مع ضباط آخرين لقيادة انقلاب جديد؟ وهل نموذج انقلابكم الحالي على الأحزاب يوم 25 أكتوبر، الذي قادنا إلى ح-رب الفجار، تجربة تستحق التكرار؟
بالعكس تجربتكم الفاشلة تجعلنا أكثر إيمانًا بالحلول السلمية لقضايا النضال الوطني والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات العامة.
وهل يُعبر هذا الحديث عن الجنرال وحده، أم أنه يمثل لسان حال من صفقوا له وهللوا فرحين بإعلانه التمرد والانقلاب على إرادة الشعب، الذي أرهقته فرض الوصايا والاستبداد؟
ثم هل ستبقى هذه العقلية طويلًا داخل المؤسسة العسكرية؟ وهل يقبل الجنرال لنفسه، وهو ثالث ثلاثة من الحكام الفعليين، الذين استلموا السلطة عبر انقلاب عسكري، أن يصف الأحزاب، التي أطاح بها انقلابهم بأنها «سجم الرماد»؟
ثم من الذي منحه حق الفيتو في تحديد من يحكم السودان؟ وأي انتصار وإنجاز اقتصاديً اجتماعي صور له نفسه “أسد بيشا” على الشعب وأحزابه الوطنية؟
وطالما أعلن الجنرال رفضه لحكم الأحزاب، كان الأولى أن يخبرنا: أي حزب يريد؟ وأي حزب سيدعمه إذا جاءت به صناديق الانتخابات؟
ولماذا يمنح الجنرال لنفسه الحق في تحديد شكل الحكم ومن يحكم، بينما يرفض في الوقت نفسه أن يتدخل السياسيون في أمر يخص هيكلة الجيش؟
ويبقى السؤال الأخطر:
هل للفريق أول ياسر العطا أي مهام سياسية أو وزارية أو غيرها في الدولة السودانية تخوله الحديث في السياسة؟
كلا.. هو الآن يشغل منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وهو منصب عسكري رفيع. فهل يُعد حديثه هذا هو الموقف الرسمي للجيش من أي انتخابات قادمة؟ وهل نعتبر وصفه للأحزاب بـ«سجم الرماد» هو موقف المؤسسة العسكرية، التي يتحدث باسمها مرتديًا كامل بزته العسكرية؟
عليه، نحن المؤمنين بوقف الح-رب نعلنها: لا وصاية على الشعب، ولا يوجد نظام أمثل للحكم إلا التداول السلمي للسلطة.
نعم للحزبية والأحزاب، وألف لا لفرض الوصايا بقوة السلاح واستخدام الجيش ضد الاحزاب.
إنه حقًا أمر في غاية الغرابة.

Leave a Reply