وداعًا يا صاحب الابتسامة

صحيفة الهدف

 أ.د.جلال الشيخ زيادة

قيل في الأثر: “رُبَّ ابتسامةٍ حلّت مشكلة”.. فكيف أنعيك يا صاحب الابتسامة، وأنت الذي جعلت منها أقوى سلاح تشهره في وجه المحن؟ لعلّي أستعين بـ هاملت وهو يقول: “لو أراد المرء أن يعطيك حقك لقال إنك لا نظير لك إلا في مرآتك، ومن ذا الذي يستطيع أن يسير في أثرك غيرُ ظلّك؟”. كان جميلَ النفس، يحب الجمال. وعندما كنتُ أزوره في قناة الخرطوم، بدعوةٍ ملحّة منه لمشاركته الرأي في برامجها السياسية، كنت أجده منهمكًا أمام حاسوبه يصمّم ما أسماه جماليات الشاشة. وبعد أيام قليلة، تحوّلت شاشة القناة شكلًا ومضمونًا، وانحازت بوضوحٍ لافت إلى شارع الثورة. كان مثقفًا شاملًا، واسع المعرفة في الأدب والفنون، عاشقًا للمسرح، يدرك مغزى وصيّة شكسبير: “أرجو أن نُهيّئ للممثلين مقامًا طيبًا، فليُعاملوا على أحسن حال، لأنهم خلاصة تاريخ العصر.” ورغم محاولات فلول النظام المندحر إزاحته من إدارة القناة، وقد لمستُ ذلك بنفسي، كان يواجههم بابتسامته العريضة، يعمل في صمتٍ ودأبٍ لا يكلّ. لم يجرؤ أحدٌ منهم على النيل منه بسوء القول في حياته؛ فهم يعرفون قيمته، ويعلمون أنه عمل بينهم في عُشّ الدبابير من دون أن يغيّر قناعاته أو إيمانه بالشعب. كانوا يحتاجون إبداعه ويكرهون فكره. أما هو، فكان يبدع بقناعته ومن أجل الناس، لا من أجلهم. وبجبنهم المعهود، تجرّأ أحدُهم أخيرًا على الإساءة إليه بعد رحيله، لكنه، من حيث لا يدري، قدّم شهادة حق. فالحق ما شهدت به الأعداء. قال إنه رآه مكبّلًا ومعصوب العينين في طريقه إلى المعتقل مع ثوّار ديسمبر بعد انقلابهم الإجرامي على الثورة في 25 أكتوبر 2021، لأنه عطّل القناة حتى لا تنحاز لانقلابهم. هكذا شهد الأعداء بوطنيتك وبعثيّتك، في محاولة جبانة للنيل منك.. يا لجبنهم، ويا لروعتك أيها الراحل، الفنان المبدع، والصديق الوفي. ياسر عوض.. خيرٌ لك أن يُكتب على قبرك شاهدُ سوءٍ بعد موتك، من أن ينالوك في حياتك بسوء القول. نم قرير العين أيها الرفيق المبدع، فقد كان سلاحك الأمل والابتسامة. لك الرحمة في علييّن..

#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #جلال_الشيخ_زيادة #شاهدة_الأعداء #ابتسامة_الثورة #اعلام_ثوري #رثاء

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.