رحيل ياسر عوض: فراغ لا يملؤه الزمن

صحيفة الهدف

أحمد يونس

غافلنا ياسر ورحل.. لا أستطيع أن أكتب عن صديقي ياسر عوض بصيغة الماضي، فصوته لا يزال حاضرًا في ذاكرتي، وضحكته ما زالت ترن في أذني، ضحكة تحرك الفراغ الذي تركه وراءه. تجمعني بالراحل ياسر عشرة عمر، وليست صداقة عابرة، فقد نقلتنا الطائرة نفسها إلى بلد الرشيد “بغداد”، وقبلها واجهنا الدكتاتوريات والأنظمة القمعية معًا، ثم كبرنا لنواصل رحلة استكشاف العالم معًا. كنا، ونحن في ريعان الشباب، نحب الرواية والشعر والسياسة، ونحلم بوطن أكثر عدلًا وأقل قسوة على أبنائه. قرأنا “درويش، البياتي، شوقي بذيع، سند، محمد عبد الحي، الطيب صالح، جبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن منيف”، وغيرهم. كنا نختلف ونتجادل على القصائد والروايات، لكنني كنت دائمًا أرى أن ياسر، حين يكتب، لا يقل عنهم شاعرية. كانت قصائده وكتاباته مفرطة الجمال، يكتبها بصدق لا يجامل. جاءت ح.رب لبلادنا، كسرت فينا أشياء جميلة، منها أن الفرح والحزن كانا رفاهًا لم نعد نملكه، وحوّلت الموت إلى رقم في نشرة، أو سطر في خبر. فظننت أني فقدت القدرة على الحزن والفرح معًا، لكن حين جاء خبر رحيل ياسر، انهار هذا الوهم دفعة واحدة، فأدركت أن في القلب مساحة ما تزال تقاوم التبلد، وأن هناك غيابًا لا يمكن أن يمر كخبر عابر. رحل الحبيب ياسر، وترك فينا أشياء لا تُنسى: طريقته في الإصغاء، ضحكته، دفاعه عمن يحب، وحمله لهموم الأصدقاء. رحيله ترك في قلبي خواءً لا يسد، وكتب في دفاتري درسًا أخيرًا: “الصداقة لا تُقاس بالسنوات، بل حين تفقد صديقًا”. رحمك الله، صديقي ياسر، وأسأل الله لك الرحمة، وأن يسكنك جناته الفساح، وأن يربط على قلوب أولادك ووالدتك وكل أحبتك الصبر، وأن يحسن عزاءهم، فالفقد كبير.

#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #أحمد_يونس #رثاء #صداقة #بغداد #الحرب #شاعرية

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.