التحول الأخضر: من النفط إلى الطاقة المستدامة

صحيفة الهدف

في وقت يعيد فيه العالم صياغة علاقته بالطاقة، وتتحوّل الأولويات من الهيمنة على الوقود الأحفوري إلى السيادة الخضراء، تواجه الاقتصادات العربية سؤالًا محوريًا: إلى متى يمكن الاعتماد على مورد يتراجع وزنه بسرعة أمام التحولات العالمية؟
تمتلك الدول العربية نحو 46% من الاحتياطي النفطي العالمي، لكنها تساهم فقط بنسبة 5% من الاستثمارات في الطاقة المتجددة. هذه الفجوة تكشف عن خلل أعمق بين ثروات الماضي وإمكانات المستقبل، خصوصًا مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بخفض الاعتماد على النفط بنسبة 40% خلال العقدين المقبلين. الاقتصاد العالمي ينتقل من الاعتماد على ما يخرج من باطن الأرض إلى ما يسقط على سطحها من ضوء ورياح.
الدول العربية تمتلك إمكانيات هائلة غير مستغلة: أعلى معدلات الإشعاع الشمسي، وممرات رياح مستمرة، وفرص لتوليد طاقة نظيفة تكفيها وتتيح التصدير، وتفتح أبوابًا جديدة لتجديد الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل. تقدّر المؤسسات الدولية أن الاستثمار في الطاقات المتجددة يمكن أن يخلق ثلاثة ملايين فرصة عمل عربية بحلول 2035.
نماذج النجاح موجودة: الإمارات تسعى للحياد الكربوني بحلول 2050، المغرب يصدر فائض طاقته النظيفة إلى أوروبا، ومصر تبني استراتيجية للهيدروجين الأخضر لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق ناشئ عالمي. ومع ذلك، يواجه التحول تحديات كبيرة: ثقافة الريع ما تزال تسيطر، والاستثمار في البحث العلمي دون المستوى المطلوب، والبنى التشريعية تتقدم ببطء أمام حركة عالمية سريعة.
التحول الأخضر إذن ليس مجرد خيار تقني، بل قرار حضاري يتطلب رؤية عربية مشتركة، وإعادة توجيه الدعم من الطاقة التقليدية إلى النظيفة، وبناء رأس مال بشري قادر، وشراكات مع مراكز التكنولوجيا العالمية. الخيارات واضحة: إما صناعة المستقبل، أو البقاء مستهلكين لما يصنعه الآخرون، وإما تحويل الشمس والرياح إلى ثروة، أو البقاء أسرى النفط القديم. الزمن لا ينتظر، لكن الفرص لا تزال متاحة، ويجب اتخاذ القرار اليوم.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.