خطاب الرئيس وسقوط النظام

بقلم: عبد الرحمن نور الدائم

لم تكن المسافة ما بين بيان رئيس النظام، صباح الجمعة 30 يونيو 1989م، وخطابه أمسية الجمعة 22 فبراير 2019م فارقاً زمنيا فقط يقدر ب (30)عاماً من الحروب، والمعاناة، والجرائم، والانتهاكات، والتعذيب، والاغتيالات والاغتصاب، واستباحة الحرمات، والتعدي على المال العام، والحقوق العامة، وتقسيم البلاد والتفريط في أجزائها، بل تدمير ممنهج للبلاد والعباد، وامعان في استباحة مقدرات البلاد وتحويلها لفئة محدودة.

*ويبدو أن نفس خيبة الأمل التي أصيب بها الكثيرين في يناير 2014م عندما انتظروا خطاب رئيس النظام، في قاعة الصداقة لما أسموه بمؤتمر الحوار الوطني، تكررت الآن وربما بنفس السيناريو، حيث يتم تغير الخطاب، ويفاجئ رئيس النظام، الحضور بما هو مختلف عما تم الاتفاق عليه.
الآن أعاد رئيس النظام الأوضاع إلى المربع الأول، وعسكرة النظام برمته (الرئيس والنائب الأول وثمانية عشر حاكماً عسكرياً على الولايات)، وربما معتمدي المحليات.
* خطاب الانقلاب العسكري الثاني لرئيس النظام، لم يكن مفاجئاً للثوار والشرفاء من شعبنا الأبي، لأنه أعلن موقفه الواضح من النظام وزهده في أمل مرتجى منه، بل جاء الخطاب مستفزا وموغلا في الاستهتار، واستمرار للمزايدات والمغالاة والتهرب من مواجهة التحديات، والاعتراف بالفشل والعجز في احتواء الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد منذ فترة طويلة.
* وإذا كان هناك من يتوهم بأن ما قاله البشير في خطابه سيفك طلاسم الأوضاع الراهنة فهؤلاء سذج تعساء.
*وأية وثيقة وطنية وأي حوار ينادي له رئيس النظام يا ترى؟!
* وهل كل القوى الثورية من تجمع المهنين، والقوى السياسية، وكل هؤلاء الشباب الذين يرسمون مستقبل البلاد بدمائهم الطاهرة، بهذه الدرجة من السذاجة لتصديق مثل هذه الأكاذيب؟!
يبدو أن جوهر الخطاب هو إعلان قانون الطوارئ الذي توهم رئيس النظام بأنه سيعصمه من أمواج الثورة الظافرة، ومحاصرة الثوار لنظامه الدموي الذي يوشك علي السقوط، ولقد جاء الإعلان عن حالة الطوارئ بمثابة صب الزيت على النار، كما يقولون حيث اشتعلت الثورة، وامتدت على كل الساحات والأحياء السكنية، في كافة مدن العاصمة والولايات، ومن المتوقع أن تتصاعد وتيرة الثورة ولن تتراجع، بل بالعكس مما ينبئ بتطورات دراماتيكية في غضون الأيام القليلة القادمة.
وبالرجوع إلى الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ بحسب دستور جمهورية السودان الانتقالي للعام 2005م طبقاً لأخر التعديلات (2015،2016،2017)
فلقد جاء في الباب الرابع عشر تحت عنوان حالة الطوارئ وإعلان الحرب ما يلي:
إعلان حالة الطوارئ
المادة (210) – 1- يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، عند حدوث أو قدوم أي خطر طارئ يهدد البلاد أو أي جزء منها حربا كان أو غزوا أو حصارا أو كارثة طبيعية أو أوبئة، يهدد سلامتها أو اقتصادها أن يعلن حالة الطوارئ في البلاد أو فى أي جزء منها، وفقاً لهذا الدستور والقانون.
2/ يعرض إعلان حالة الطوارئ على الهيئة التشريعية القومية خلال خمسة عشر يوما من إصداره، وإذا لم تكن الهيئة التشريعية منعقدة فيجب عقد دورة طارئة.
3/ عند مصادقة الهيئة التشريعية على إعلان حالة الطوارئ تظل كل القوانين والأوامر الاستثنائية التي أصدرها رئيس الجمهورية سارية المفعول.
السؤال هل البلاد الآن أمام حرب وشيكة، أو غزو خارجي أو حصار جوي وبري وبحري، أو كارثة طبيعة أو أوبئة؟
ومن المفارقات الغربية والعجيبة لهذا النظام اعتماده على ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.
وبعيداً عن احترام الدستور أو عدمه، فإن خطاب رئيس النظام، الذي حاول من خلاله الهروب الناعم من دهاليز الحزب الحاكم، وأوكار الحركة الإسلامية، والعودة إلى عرين المؤسسة العسكرية، وحضن الأجهزة الأمنية فتح عليه من حيث لا يدري أبواب الحجيم، حيث لم يعد الآن كما كان قبل بداية هذه الثورة في 13/12/2018 من الدمازين بالنيل الأزرق، الولاية الرازخة تحت وطأة حالة الطوارئ منذ سبتمبر 2011 م..
لقد تعددت الجبهات الآن…
وإلى أي مدى يصمد رئيس النظام أمام المد الثوري؟
وهل استعد لصد مؤامرات المغاضبين من أنصار حزبه من الملكية؟
وهل احتاط  للسيناريوهات المحتملة من داخل المؤسسة العسكرية التي لم تعد على قلب رجل واحد كما كانت؟
* وكيف سيتم مواجهة المفاجآت المتوقعة من المليشيات وكتائب الظل والخلايا النائمة؟
*وكما أشرنا كل يوم يمر في أيام الثورة، تتسع نطاق الثورة الظافرة وتكتسب قطاعات جديدة، وتنداح في مساحات واسعة، بينما يهرب الانتهازيين من النظام ويتساقطون ويرتعبون من صيحات الثوار، ودوي شعارات المطالبة بتنحي ورحيل النظام وتصفية مؤسساته من الجذور، وإقامة البديل الديمقراطي، وقطع الطريق أمام الانتهازيين والبدائل الزائفة، التي تجتهد دوائر محلية وإقليمية ودولية كثيرة لتجهيزها، كما أشرنا في مقالاتنا مع بداية الثورة، وما مماحكات علي الحاج الأمين العام للمؤتمر الشعبي عقب خطاب رئيس النظام، وآخرين إلا جزء من المؤامرات التي تحاك لإجهاض الثورة…،
وهل حكومة الكفاءات المزعومة برئاسة الدكتور (ايلا) ستشكل طوق النجاة من الأزمات التي استحكمت حلقاتها الآن بوصول سعر صرف الدولار الأمريكي إلى حوالى (100) جنيه؟! ناهيك عن استمرار أزمة الخبز والسيولة النقدية، بالرغم من طباعة أوراق بنكنوت جديدة بفئات كبير (100،200) والتي اختفت الآن..
لقد حدد الشعب مصيره ولن يتراجع من مواصلة المسيرة للوصول إلى الهدف الأول، إسقاط النظام، وتنحي رئيسه، والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى  وربما ظهر بعد برهة من الزمن من ينعي لنا النظام وبنفس السناريو المصري

والثورة مستمرة
والشعب أقوى والردة مستحيلة