الكراهية والاقصاء

دروب الحقيقة
بقلم: أحمد مختار البيت

خطاب رئيس النظام ليلة الجمعة 22 فبراير 2019، كله يدعو للتعجب والدهشة من جهة، ويثير الغضب والشفقة معا من جهة أخرى، فهل يجهل رئيس ظل يحكم بالحديد والنار، لفترة ثلاثين عاماً هذا الشعب السمح والمسامح، سبب الكراهية له ولنظامه وأجهزته، وكل ما يمت له بصلة؟
ولماذا لم يسأل الرئيس نفسه عن سبب الكراهية التي رآها الآن تتفشى ضد سلطته، وهو  وكل منظومته الحاكمة وأنصاره، ظلوا يحدثون السودانيين والعالم والإنس والجن والشجر والحجر، إنهم ظل الله في الأرض، ولم يأتوا إلا لنصرة الدين، وإقامة العدل في الأرض، بعد أن ملئت جورا وظلما؟
ولماذا لم يسأل البشير نفسه وحزبه وحركته المتأسلمة وإخوته في الله وأخوانه، عن سر اغتنائهم، وفقر الشعب السوداني، وصحتهم وأمراض أهل السودان، وشبعهم، وجوع الكادحين والنازحين واللاجئين في أرض الله الواسعة؟
وماذا كانوا يسمون طرد الآلاف من الموظفين والعاملين في مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها؟ غير أنه اقصاء ممنهج ومقصود.
هل كانت كوادر المتأسلمين والأنبياء الكذبة، أكثر كفاءة ووطنية واخلاصا من هؤلاء المبعدون من وطنهم ووظائفهم وذكرياتهم وأهلهم، وحين كان المتآمرون يعدون القوائم ليلا لتشريد الشرفاء والأذكياء والمخلصين والمفكرين والسياسيين من أبناء الشعب السوداني، هل هناك من تعريف لذلك غير الاقصاء والعزل والمعادلة الصفرية؟ وهل يعتقد الرئيس وحزبه وأخوانه وإخوته وحركته المتامرة أن هناك في  غيرهم -قبل الانتفاضة المباركة – من يستحق الحياة والعمل والعيش في هذا الوطن؟ ومتى كان لهذه السلطة وعي بالوطن وشعبه وماضيه وحاضره ومستقبله؟ وهل هبطت الحكمة الغائبة في صباح الجمعة السعيدة، أم أن الثورة الملهمة هي التي فرضتها بدماء شهدائها ونضال معتقليها وأحزان جرحاها، وعذابات مشرديها ونازحيها ولاجئيها في جهات الأرض الست؟
هناك اعترافات موثقة لكوادر إسلامية عديدة أنها لم تكن تؤمن بالآخر، وحقه في الحياة والاعتقاد والعمل قبل المفاصلة، التي أعادت للكثير منهم وعيهم، بمن حولهم خاصة المهمومون بالقراءة والكتابة وحركة المجتمع، وأعلنوا اعترافات في تجمعاتهم ولقاءاتهم العابرة، وفي لحظات الصدق التي انتابتهم في بعض المحكات، وحوار النفس، للنفس.
إن ما شكا منه النظام في خطاب رئيسه العاطفي، سقى منه المتأسلمين الشعب السوداني حتى الثمالة، وكانت نتيجته هو ما يعاني منه الوطن الآن.
ولكن حركة التاريخ تقول إن الثورات العظيمة لا تعرف الحقد والتشفي والانتقام، وتنظر دائماً للمستقبل بعقل وقلب مفتوحين، وتستحضر دروس الماضي، وعبر الأحداث المؤلمة في رحلتها لاستشراف آفاق المستقبل، ولكن على رئيس النظام، وزبانيته وفرق التعذيب والموت ألا يعتقدوا أن الشعب السوداني يمكن أن ينسى تلك المآسي، والأهوال والفظائع التي ارتكبت بحقه. وبحق الأرض والإنسان، صحيح لا يمكن أن تبني وطنا بالغبن والاقصاء والكراهية، ولكن الصحيح أيضاً هو أن الحياة لا تستمر وتستقيم دون أن يكون هناك مقياس للعدل والمساوة، يفصل بين الناس ويزن الحقوق والواجبات بين الناس بعضهم البعض، وبين الدولة وشعبها، وكراهية الشعب السوداني للسلطة القائمة وانصارها، كراهية مبررة وواجبة، ويقرها الدين والأخلاق، والضمير السوي، وإذا لم يكره السودانيون هذا النظام، وسدنته الذين تدثروا بالإسلام زورا، وتاجروا بقيمه وخدعوا الشعب بشعاراته لما تستحقوا إنسانيتهم، وصواب عقولهم، فقد جلبت سلطة المتأسلمين الكراهية لنفسها، واستحقت لعنة التاريخ وحكمه النافذ، والخروج من السلطة وكامل مؤسساتها، والاختلاط بالناس والتعلم منهم معنى الإسلام، والحياة والصدق والأدب، والاعتراف بالآخر، واحترام خصوصيته، هو أقرب الطرق ليعيدوا  إنسانيتهم، ويتصالحوا مع ذواتهم المسلوبة والمفصومة، دعك من إسلامهم، فالإسلام تكفل  الله بحفظه..
وكيف لا يكره الشعب السوداني من سرقوا قوته وخانوا الدين والوطن وأساءوا الخلق واسرفوا في الفساد، وانغمسوا في ملذات الدنيا ونعيمها بأمواله وخيراته وموارده، وعلى حساب معاناته، ومأساته، وموته، ودمه، ودموعه  وآلامه الموجعة، وآهات الفقراء والمحرومين.