
بقلم: عبد الله رزق
أدت خيارات النظام في مواجهة تطورات الوضع المأزوم، بفعل الثورة الشعبية، التي تجتاح البلاد منذ أكثر من شهرين، وسط فشل متزايد للحل الأمني، الذي اعتمده النظام لاحتوائها، من جهة، وتصاعد الضغوط الدولية لاقناع الرئيس عمر البشير للتنحي، وفق ما أفادت به قناة بي بي سي، نهاية الأسبوع الماضي، من الجهة الأخرى، إلى وضع الإسلاميين، المرتبطين بالنظام، خصوصاً، أمام خيارات صعبة ومحدودة، أيضا.
إما التمسك بالبقاء في إطار نظام آيل للسقوط، وأما الانحياز للواقع الذي يتشكل في الشارع الثائر كبديل حتمي للنظام، مهما طالت المنازلة.
وكان لإعلان الطواريء، مساء الجمعة الماضي، ضمن الخيارات التي استقر عليها النظام، فيما يشبه انقلابا، قضى بحل الحكومة المركزية، وحكومات الولايات، وأحل قادة عسكريين محل مدنيين منتخبين، كولاة للولايات، الدور الهام في حسم خيارات بعض الإسلاميين، فيما استبقت جماعات أخرى، من فسيفساء الإسلاميين، التطورات الأخيرة، بالالتحاق بالمبادرات المختلفة، الهادفة لايجاد مخرج آمن من الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي تنخرط وتنشط في صناعتها قوى إقليمية ودولية بجانب أطراف محلية. ففي إطار هذا التشرذم وإعادة التشرذم الذي يعصف بالإسلاميين، أعلنت مجموعة، أطلقت على نفسها اسم “تنسيقية القوى الإسلامية والوطنية”، معارضتها لتلك الاجراءات التي اتخذها النظام، والتي وصفتها بأنها استسلام لمشيئة من اسمتها “قوى البغي والعدوان”، لغرض تقويض النظام الإسلامي في السودان، وتوعدتها بمعارضة غير مسبوقة. فيما اختارت جماعة أخرى، نأت بنفسها عن مهمة الدفاع عن النظام، والحيلولة دون سقوطه، أن تعلن انحيازها للثورة، غير أن هذه الانحياز، ومن ثم توقيعها، تالياً، على ميثاق الحرية والتغيير، رهنته بشروط، ومن ثم بتهديد مبطن، إن لم تتم الاستجابة لتلك الشروط، بتقريرها بأن لـ”كل حادث حديث”!.
ويبدو أن هذه المجموعة، حديثة عهد بالمعارضة، وبالنشاط السياسي وتقاليده، وأن معارضتها الطارئة، وربما العارضة، هي وليدة الانقلاب غير المعلن، والذي تشكل الاطاحة بالإسلاميين الوجه الآخر، لاجراءاته المعلنة، وردة فعلها الأولية على الانقلاب. ويشف توصيفها للأزمة الراهنة عن غربة عن الواقع.
فالبيان، الذي أصدرته مجموعة “تيار التغيير والبناء”، يرد الأزمة إلى ما أسماه “غياب الإدارة الرشيدة”، وامعانا في تبرئة النظام، بشكل أو آخر، فإنه، يعمل على تعويم المسؤولية عن أزمة غائمة، برد جذور هذه المشكلة إلى الدولة الكوشية، وإلى فشل الأنظمة المتعاقبة منذ ذلك الحين، في معالجتها، وأن ما وصفه بعمق الإشكال الحالي، “يتمثل في إنعدام الرؤية السياسية، التي أدت إلى تدهور الاقتصاد، وتفشي ظاهرة الفساد، نتيجة لسياسات الاقصاء، واحتكار السلطة، وإدارة البلاد لفئة محدودة..الخ”
فالبيان، الذي انطلق من مقدمات غامضة ومراوغة، تفادى، تحديد موقف واضح من نظام الانقاذ، والتأكيد على ضرورة إسقاطه، وتصفية كافة مرتكزاته و”كنس آثاره”، مثلما تفادت المجموعة، الآتية تواً من “كنف” النظام إلى “صف” الثورة عليه، تحديد موقفها من مشاركتها، المباشرة وغير المباشرة، في كل التجاوزات التي ارتكبتها الانقاذ في حق الوطن والشعب، طوال ثلاثة عقود من الزمان، بدء من الانقلاب على النظام الديموقراطي، ومصادرة الحريات الديموقراطية، واشعال الحروب في ربوع الوطن، مروراً بفصل جنوب البلاد، وغيرها من الكبائر، وانتهاء بمواجهة المحتجين السلميين بالعنف، والعنف المفرط والذي أدى، حتى الآن، إلى استشهاد أكثر من خمسين مواطنا في الشهرين الماضيين.
ومع ذلك فإن البيان قد سكت، أيضاً، عن إدانة عنف النظام والمطالبة بالتحقيق فيه وتقديم كافة المسؤولين عنه للمحاكمة.
وقد تجاهل البيان، كذلك، الإعلان الواضح عن قطيعة المجموعة مع نظام الانقاذ، الحاكم وسياساته، قبل أن يخلص إلى تعيين موقف المجموعة من الانتفاضة، بطريقة لا تعوزها الجرأة، على الأقل، من قبل أؤلئك الذين قدموا متأخرين، ويريدون أن يتقدموا الآخرين، ويتأمَّروا عليهم، مثلهم في ذلك، مثل الذين يدخلون من الشباك ليقوموا، بعد ذلك، بتنظيم دخول الآخرين من الباب.
فقد حملت المجموعة على عاتقها مهمة واضحة، ومحددة، كما يستشف من بيانها، هي تصحيح مسار الثورة وتعديل خطابها ومواثيقها وقيادتها، ومستهدفاتها… إلخ، حيث طالبت بخطاب أقل راديكالية، وصفته بالمعتدل، ينطوي، برأيها، على تطمينات تراها ضرورية، للعالم الخارجي، وللداخل السوداني، وخصوصاً، لمن اسمتهم بالواقفين على الرصيف، المسكونين بهواجس الاقصاء وفوبيا الانتقام والكيد السياسي…الخ. واقترحت قيادة جديدة للثورة، وللحكومة الانتقالية، ومواثيق جديدة أو معدلة، ورؤية للعدالة الانتقالية، تنأى عن الكيد السياسي… إلخ ويبدو أن الضمانات المشار اليها في البيان، تطلبها المجموعة لنفسها، قبل الآخرين، الذين تتحدث باسمهم ونيابة عنهم. وهي مطالب غريبة، سياسياً، يمكن وصفها بأنها “مطالبة من لا يملك مِن مَن لايستحق.” غير أن ماهو أكثر غرابة، ويقترب من الابتزاز، هو أن ترفع المجموعة مطالبها تلك، إلى مستوى الشروط الواجب على قيادة الحراك الشعبي الثوري، انفاذها، لكي توقع على ميثاق الحرية والتغيير، وتقرن ذلك بتهديد غامض في حال عدم الاستجابة لتلك المطالب، بأن:” لكل حادث حديث