
في حِوار أجرته معه “الهدف”، الأربعاء ٢٠_٢_٢٠١٩م:
○نائب أمين سر البعث يحدد أشراط إعلان الإضراب العام والعصيان المدني..
○آن الاوان لنقل الاضراب والعصيان المدني من حيز الشعار الى حيز الفعل الثوري
بعد شهرين من المنازلات الجسورة، المتواصلة والمستمرة والتي خاضتها جماهير الشعب السوداني من أجل إسقاط النظام، أصبح التساؤل المُلِح الذي يطرح نفسه هو : متى يتم إعلان العصيان المدني والاضراب السياسي العام ! باعتبار أنّ الأوضاع قد نضجت لإسقاط النظام بالضربة القاضية.
ويتخوف الكثيرون من تطاول الأمد على تحقيق هذا الهدف، الأمر، الذي قد يصيب الحراك الثوري ربما بالتراخي وقد يفسح المجال للنظام لالتقاط انفاسه، وكذلك للقوى المتربصة بالثورة، الفرصة، أيضا، لمحاولة انتزاع المبادرة وتكييف مجرى الأحداث والتطورات بما يتوافق مع مصالحها وبعيدا عن المصالح العليا للشعب السوداني التي التقت في “ضرورة إسقاط النظام وتفكيكه صامولة ..صامولة”! ، على حد قول الرفيق الاستاذ محمد ضياء الدين.
وفي هذا اللقاء .. سنتناول عدة مواضيع أبرزها : كيف يسقط النظام ومتى يعلن العصيان المدني، وهل اكتملت شروط طرحه وإنزاله من سماء الشعارات إلى أرض الواقع ؟ .. كان هذا جوهر الحوار الذي أجرته الهدف مع الأستاذ عثمان إدريس أبو وراس؛ نائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي_ قيادة قُطر السودان. فيما يلي نص الحوار:-
* بداية أستاذ عثمان ..،
كيف تنظرون للأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الإنتفاضة المجيدة؟
_ أولًا أشكركم على الاستضافة والتحية موصولة لجميع قراء الهدف، الحادبة على مصلحة القارئ وربطه بالحقيقة.
بالنسبة لسؤالكم، إن كان المقصود بالانتفاضة.. تلك التي انطلقت باستمرارية منذ ديسمبر الماضي، فبإمكاننا إرجاعها لأزمات الخبز والمحروقات والسيولة والدواء وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، وزيادات سعر الدولار الجمركي وارتفاع أسعار السلع بصورة جنونية..! تلك هي الاسباب المباشرة .. والتي كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير الذي ثقلت أحماله فقعد بها وأقعدته وعجز عن حملها؛ أما الاسباب الحقيقية والجوهرية.. وبالإضافة لما سبق، كذلك يمكننا القول بأنها كانت إفرازات ومظاهر لبعض تجليات الازمة التي فجرت الانتفاضة.. فبلادنا قد دخلت بوضوح في مفترق طرق منذ انتفاضة سبتمبر 2013م والمهر الغالي الذي قدمه شبابنا والمتمثل في مئات الشهداء وأضعافا مضاعفة من الجرحي والمعتقلين، ثمنا لها، وأملا في الخلاص من معاناة شعبنا الممتدة والمتجددة منذ فجر الاستقلال، وهذا طموحًا نحو الاستقلال الاقتصادي كضمانة لحماية الاستقلال السياسي والوحدة الوطنية ووقف الحرب.. والسلام بالتنمية المستقلة المستدامة والشاملة والمتوازنة جهويا واجتماعيا عبر إحكام الصلة بين الديمقراطية السياسية (بخصوصية الواقع السوداني) والديمقراطية الاجتماعية ونشر العدالة ونبذ كل مظاهر التمييز السلبي بين مكونات المجتمع وسيادة حكم القانون ودولة المؤسسات والفصل بين السلطات.. ولقد تتالت وتنوعت أنماط الحِراك الجماهيري رفضا لسياسات النظام وممارسات أجهزته فكانت احتجاجات الأهالي في المناصير والجريف والشجرة وغيرها، على قرارات التغول على ملكية الأراضي والتهجير والتي كانت الاعتصامات الممتدة لشهور عنوانا بارزا لها.. ثم كانت إضرابات ومسيرات لجنة الأطباء ولجان المعلمين .. ثم تميزت باستعادة شرعية نقابة الأطباء والتمرد علي نقابات المنشأة التي اغتالت استقلالية وديمقراطية الحركة النقابية.. والعديد من الوقفات الجريئة والمقاطعة التي فضحت تزوير انتخابات المحامين واتحادات طلاب الجامعات.. إلخ.
* حسنًا، ماذا عن التغير الذي طرأ على الخطاب الرسمي، خصوصا مايتعلق بمخاطبة بعض المطلوبات مثل التحقيق في العنف الذي أودى بحياة بعض المواطنين ؟
_ ما يقال عن تشكيل لجنة التحقيق وتقريرها والإجراءات التي لحقتها … ليست الا كصرخة فرعون وقد احاطت به وبجنده مياه البحر وعلم بأنه غارق وميت لا محالة (قال آمنت بالذي آمنت به بنو اسرائيل.. رب هارون وموسى) ولكن لم يُقبل هذا الإيمان، وكذلك حديث البشير عن مخالفة قانون النظام العام للشريعة بنسبة 180 درجة.. وأنّ العيب ليس في القانون ولكن في التطبيق، فهو إنما يستنكر ما أصاب بعض أقربائه وليس ما درجت عليه شرطة النظام العام .. وليست بعيدة حادثة مقتل مواطن داخل سيارة مظللة والتي لم تحرك لسان النظام الاخرس آنذاك .. وتشير واقعة التشهير بأرباء رئيس النظام، التي اتخذت اشكالا متعددة، منها؛ تسريب المعلومات عن فساد بعض أفراد أسرته وأشقائه ووصلت الفضائح الأخلاقية الأخيرة الي درجة الجرأة في الجهر بها لابتزازه والضغط عليه .. ودلالات أنّ الخلافات داخل النظام وصلت به إلى حد تصدّع الأساس الذي كان نموذجه موقف هيئة علماء العالم الاسلامي (مرجعية التنظيم العالمي لجماعة الإخوان) ونموذجها الداخلي الاكثر خطورة علي وحدة النظام وتماسكه بما يتناقض من خطاب الإنكار للجرائم السابقة ومسعى النظام لتحميل المتظاهرين المسؤولية عن التخريب والقتل (كما حصل في تفسير الفديو الخاص بمقتل د.بابكر في بري وادعاء قوش بأنّ القاتل فتاة وسيكون مصيرها الإعدام!!..) ..التغير 100 درجة هو إدانة اجهزة القمع ومؤسسات النظام لبعضها البعض الآخر، كما تبيّن في حادثة استشهاد المعلّم أحمد الخير رحمه الله.. ومن قبلها في أحداث بورسودان، كذلك يتمثل نموذج تصدع النظام في الاعترافات المتكررة والمتسارعة سواء بعدم وجود احتياطي من الجازولين أو الخطأ في تصميم حجم العملة الجديدة أو الاعترافات بالتضييق على الشباب والحق في التعبير عن الرأي.. ومغادرة احزاب السماسرة لسفينة الإنقاذ بالاستقالة. واستدعاءات البرلمان الخجولة لعدد من المسؤولين!
كل ذلك يؤشر بوجود فراغ في المسرح السياسي، غياب تام للسلطة وتحولها لمقاطعات مليشيات لا ضابط لإيقاعاتها،حيث انفرط عقدها تماما ولا ناظم بينها سوى البطش والكذب.. ولكم في مغالطات وجُبن قيادات الشرطة والجيش نموذجا دلالة صريحة على تفسخ النظام وتحلله.. وأيضًا ماسبق من ساقط القول الاتهامات بالعمالة والتخريب مرة ..والتبعية للشيوعيين والبعثيين والعلمانيين مرة أخرى .. والتهديد العلني بالقصاص وقطع الرؤوس واستنفار كتائب الظل لحماية النظام بالأرواح مما ورد بلسان البشير وعلي عثمان وقوش وابنعوف وكمال عبدالمعروف والفاتح عزالدين…والتحول عن ذلك الخطاب ومحاولات يائسة لإعطائه تفسيرا آخر غيرما فسرته به الجماهير.
* أستاذ عثمان .. ماهو تقييمكم للميدان الآن .. ؟ وما قد يظهر من حالات المد والجزر الذي يصاحب الثورات عادة؟
_في الحقيقة، قراءة المشهد الآن، تبين خارطة توازن القوى، حيث يقف النظام الفاسد المستبد والمتفسخ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ إذ أوصل البلاد لأزمة اقتصادية ومالية فاقت كل تصور، موجزها عجزه عن توفير أبسط الاحتياجات الخبز والدواء والوقود ورواتب العاملين، وعجز البنوك عن الوفاء بما ائتُمنت عليه بما يساوي خيانة الأمانة والعهد وذلك حين لا يستطيع أصحاب الودائع السحب من ودائعهم ..!! وإحجام المواطنين عن إيداع أموالهم في المصارف وظهور سعرين في التعاملات التجارية سعرا للكاش وآخر للصكوك مع ارتفاع سعر الدولار الجمركي والسعر الرسمي المعلن للدولار الذي قفز من 12 إلى 18 إلى 25 إلى 38 ثم إلى 47 بينما سعره في السوق إلى 62 للكاش و75 للشيك قبل أيام والآن تخطى حاجز ال٩٠ للشيك ..!! مما يؤدي لارتفاع نسبة التضخم لما يصل إلى 75% وجنون ارتفاع الاسعار وتوقف حركة البيع والشراء لما يمكن وصفه بالإضراب غير المعلن في القطاعين المصرفي والتجاري، وما يتمدد بسببه إلى قطاعات أخري لا شك ستتأثر به ..!! وكان من الطبيعي أن يتحرك الشارع ويغلي رفضا لكل ذلك، رافعًا شعارات مطالبه المرتبطة بتلك الاحتياجات.. إلا أنّ عجز النظام وفشله في حل الضائقة التي احتج الشارع عليها بالتظاهر ووصول خيارات النظام ووعوده الجوفاء لطريق مسدود بعد أن زعم بأن الأزمة في طريقها للحل بعد القرار الامريكي بالرفع الجزئي للعقوبات؛ فاذا بالأوضاع الاقتصادية بعدها تزداد سوءا .. ثم كانت موازنة العام 18/19 قد جرّدته من كافة الأوراق التي كان يستر بها عوراته الاقتصادية المتسبب بها فساده وصرفه على أجهزة القمع والمؤلفة قلوبهم وذوي (الاحتياجات والعاهات الخاصة) الملفوظين المنبوذين من أحزابهم السياسية وتنظيماتهم المسلحة .. الضلع الاساسي فيها.. فدلف مستعينًا بأدوات القمع التي انطلقت معتمدة نظرية “الصدمة”، مستخدما أقسى أنواع القمع والتعسف في مواجهة المتظاهرين، فكان رد فعل هؤلاء بقدر التحدي الذي وضعهم فيه، بل وزادوا عليه بالتمسك أكثر بسلمية الحراك الذي ارتفعت به حناجرهم وازدادت أعدادهم وتنوعت إبداعات شبابهم كلما سقط منهم شهيد.. وارتفع تبعا للتباين بين الخنادق، سقف المطالب؛ التي انطلقت تحت راياتها الانتفاضة في مبتداها إلى أفقها وجذرها الوطني، المطالب بإسقاط النظام ولا شيئ دونه ولم تفلح كافّة بذاءات رأس النظام وأركانه وأكاذيبهم في كسر إرادة المحتجين بل زادتهم ثقة بالنفس وجرأة في الحراك الذي زينته وعطرته مهيرات السودان وكنداكاته الماجدات وهن ينافسن في المواكب كتفا بكتف، وبزغاريدهن هتافاتهم.. لقد كان لتجمع المهنيين المبادرة الجريئة بالدعوة لتظاهرات ديسمبر المتواصلة والتي جاءت كقراءة صحيحة لاستعداد الشارع العام لتقبلها.. وكانت الاستجابة قد فاقت كل تصورات وتقديرات القوى المترددة التي آثرت مكانة قوم موسي حين قالوا لنبيهم (..إن فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان برحوا منها فانا داخلون) المائدة ٢٢.
*ماهي رؤيتكم لطبيعة التغيير .. وهل تستطيع هذه الانتفاضة إنجاز التغيير بالشكل المطلوب ؟
_هذه الانتفاضة، هي تتويج للعمل الثوري التقدني ونضالاته الدؤوبة الصبورة منذ مجيء هذه الطغمة الفاسدة، وعلى الرغم من المطالبة بوحدة المعارضة، لتكون علي قلب رجل واحد كشرط لإسقاط النظام، يعتبر طلبا مشروعا وموضوعيا ويلامس أشواق الشارع ويحشد قواه في مواجهة النظام، فإن تاريخ حركتنا الوطنية- مع ذلك – لم يسجل في صفحاته مطلقا وحدة لمراكز المعارضة للأنظمة الاستبدادية.. ولك ان تقرأ مكونات ومصير وحصاد أو كسب جبهة الأحزاب المعارضة لنظام عبود، بل ورغبة البعض للمشاركة في انتخابات عشرين عشرين الآن بحجة النضال من داخل مؤسسات النظام !! كما هي أطروحة الشعبي بالمشاركة في حوار الوثبة، وإن كان الشعبي والوطني كمثال احمد وحاج احمد .. وقبل ذلك انقسام مؤتمر الخريجين، وتواجد كلّاً من جبهة الأحزاب الاتحادية والجبهة الاستقلالية، ولكل تجد رؤاه للاستعمار وما بعده.. ثم لك أن تتابع مصير مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية بعد حل الحزب الشيوعي والفشل في تطويره لجبهة وطنية تقدمية وتعدد الأطروحات والمشروعات المعبرة عن تلك الوحدة المنشودة .. في العديد من الجبهات، ثم انفراط عقد الجبهة الوطنية، بعد هزيمة حركة 2 يوليو 1976 والتحاق الصادق والإخوان بالنظام بعد المصالحة الوطنية وقبولهم الانخراط في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وعضوية مجلس شعب نميري .. خلال العهد المايوي.
فالتجمع الوطني لإنقاذ البلاد، الذي تكون ليلة أو فجر 6 أبريل… ثم انظر لبعض المتنكرين لشعارات تلك الانتفاضة المجيدة من الأحزاب الحاكمة المحسوبة على قوى الانتفاضة والتي انقلبت على إجماعها بإسقاط الترابي مرشح جبهة بقايا مايو الإسلاموية وإسناد ترشيح حسن شبو ممثلا لقوى الانتفاضة وفوزه، لتنقلب علي ذلك العهد والجهد ، أحزاب الائتلاف الحاكم وتلحق (بالشباك) جبهة الترابي بما أسموه حكومة الوفاق الوطني بعد ان ركلتها (بالباب) أحزاب الانتفاضة ..واعتبرنا تلك الخطوة، رِدّة علي الديمقراطية واعلنا بأننا سنناضل ضدها، بنفس عنفوان نضالنا ضد الدكتاتورية المايوية.
وبالرغم من كل تلك الدروس، فإن البعض ما يزال يتجاهل الحكمة البليغة التي عبر عنها الراحل بدرالدين مدثر، عندما انتقد البعض كثرة العناوين والأحزاب السياسية بقوله (دعوا حديقة الديمقراطية تتفتح باشجارها الحسنة الزينة وتلك الظليلة والمثمرة والفواحة بعطرها المتنوع) فشعبنا سيسقي ويرعي ما يحتاجه منها.