في آيةٍ واحدة جمع القرآن ميزان الأخلاق كلّه،
ورفع مقام المرأة في حال البقاء وحال الفراق معًا:
«فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان».
فالإمساك يكون بالمعروف—وهو الواجب الذي تُبنى عليه العشرة وتستقيم به الحياة.
لكن حين يأتي الفراق، لحظة الضعف التي قد تنكسر فيها الأرواح،
لا يرضى القرآن بالحدّ الأدنى،
بل يطلب الإحسان—وهو الفضل الذي يتجاوز الواجب،
والرفق الذي يطوي الألم دون أن يترك جرحًا.
وهنا تتجلّى الحكمة الرفيعة:
المعروف واجب، والإحسان فضل.
فالمرأة تُصان في البقاء بحقّها،
وتُرفع في الرحيل بفضلها،
وكأنّ الله أراد أن تكون كرامتها محفوظة في كلتا اليدين:
يد الإمساك، ويد التسريح.
ولكنّ يد التسريح أرفق،
لأنها تُؤمر بدرجة الإحسان… تلك المرتبة التي لا يُوصي الله بها إلا في المقامات العالية،
كما قال:
«وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».
فالإحسان ليس خُلقًا عاديًا، بل مقامٌ يُخصّص للروابط التي عظّم الله شأنها،
والعلاقات التي يجب أن تبقى منزهة عن الجرح والكسر.
وهذا الربط يكشف تكريمًا عظيمًا:
أن الله جعل المرأة—في لحظة الفراق تحديدًا—في مقامٍ يستحق درجة الإحسان نفسها التي شُرِّفت بها علاقة الوالدين.
أيُّ إجلالٍ هذا؟
وأيُّ قدرٍ أراده الله لها؟
ولذلك يكون الرجل مسؤولًا أمام الله لا عمّا كان بينهما من عشرة…
بل عمّا يتركه في قلبها يوم يفترقان.
فالوداع مرآة الأخلاق،
ولحظةٌ تكشف جوهر النفس أكثر مما تكشفه سنواتٌ من المعاشرة.
وهكذا تصبح الآية وصيّةً في جمالها،
تُمسك بيد المرأة إن بقيت،
وتُربّت على قلبها إن رحلت،
وتجعل كرامتها أعلى من اللحظات،
وأرفع من الظروف…
وأبقى من الألم.

Leave a Reply