تدخل الحرب في السودان مرحلة جديدة مع تزايد الاعتماد على الأدلة الرقمية وصور الأقمار الصناعية لكشف الفظائع ضد المدنيين، خاصة بعد سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع.
وتشير التطورات الحالية إلى انتقال العدالة من الاعتماد على شهادات الناجين والمعاينات الميدانية البطيئة، إلى واقع تصبح فيه الجرائم مرئية فورًا من الجو ومؤرشفة رقميًا قبل وصول أي محقق إلى الموقع، وفقًا لتحليل مجلة “فورين بوليسي”.
ودعت الصحفية جانين دي جيوفاني، الرئيسة التنفيذية لـ”مشروع ركونينغ” وزميلة أولى في كلية جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل، إلى المسارعة بتوثيق المجازر الجارية في السودان، وعدم تكرار الأخطاء التي رافقت مجازر سابقة وقعت -على سبيل المثال- في كل من البوسنة ورواندا.
وأضافت، في مقالها بمجلة فورين بوليسي الأميركية، أنها شهدت كصحفية متخصصة في تغطية الحروب في التسعينيات، فشل العالم في منع وقوع الإبادتين الجماعيتين، ومعاناة العالم لاحقا في محاسبة الجناة.
وذكرت أن مدينة الفاشر سقطت في أكتوبر بيد قوات الدعم السريع بعد حصار وحشي دام 18 شهرا، كانت خلاله أزمة الغذاء والكهرباء والمياه قد وصلت مستويات حرجة. وبعد السقوط، صدرت تقارير عن إعدامات جماعية واغتصاب وتعمد عرقلة المساعدات، إضافة إلى مشاهدات لمقابر جماعية.
وزادت أن سقوط الفاشر شكّل لحظة مفصلية، وشددت على أنه آن أوان الانتقال إلى التوثيق ثم محاسبة الجناة، مبرزة أن إيقاف العنف الجاري أمر ملح لكن جمع الأدلة لا يقل إلحاحا.
وقالت جيهان: “شاهدنا مقاتلي الدعم السريع يصورون أنفسهم وهم يقتلون مدنيين ويتفاخرون بذلك، وقد تحققت منظمات حقوقية من هذه الصور وقاطعتها مع بيانات الأقمار الصناعية، بل وحددت بعض القادة الفرديين. لم يعد هناك شك في الانتهاكات”.
وشددت الكاتبة دي جيوفاني أن التحدي الآن هو دمج الأدلة الرقمية في آليات العدالة الرسمية، موضحة أن على المحاكم أن تتكيف مع أشكال التحقق الجديدة وأن تعمل بانسجام أكبر مع المجتمع المدني. وعلى الدول أن تكون مستعدة للتحرك استنادا إلى المعلومات المتاحة لديها، والالتزام بالقبض على الجناة.

Leave a Reply