زَيْف الإنتِخَابَاتِ العِرَاقِيَّة

صحيفة الهدف

د. عماد الدين الجبوري

اختيارات : الهدف

في كل دورة انتخابية في العراق تجري أحابيل متكرر في صيّغ متنوعة، وهي ذي ديموقراطية مزعومة فرضها المحتل الأميركي، الذي أنشأ عملية سياسية فاسدة لم يشهدها العراق عبر تاريخه. ومع استمرار هذه الآلية السياسية البائسة يزداد البون الشاسع ما بين معاناة الشعب المزمنة، وبين الطبقة السياسية المرتهنة بإرادات خارجية من واشنطن إلى طهران، التي أوصلتها إلى عرش السلطة، وتنفيذها للمخطط المرسوم في تدمير العراق قيميًّا وصناعيًا وزراعيًا واقتصاديًا وتأخير شعبه خدميًا وعلميًا وصحيًا واجتماعيًا.

ولسنا بصدد استعراض تفاصيل ما تميزت به الوجوه، التي تمت إعادة تدويرها من فساد وسرقات مليارية وج-رائم اغت-يال ونهب المال العام وغسيل أموال وانعدام السيادة وغيرها، إلا أنه إضافة لكل ذلك، فإن من أبرز ما يميز خطورة الدورة النيابية للسنوات الأربعة المقبلة هو حصول الفصائل المسلحة الموالية إلى إيران على 59 مقعدًا في “مجلس النواب”. وبذلك ، وفي خلاف صارخ مع كل الخطط المعلنة ، تم اضفاء ” الشرعية ” على المليشيات غير النظامية وعلى السلاح خارج إطار الدولة، حيث سيكون بمقدور تلك المليشيات تشريع القوانين، التي تبيح لها على نطاق أوسع وأشد استخدام سلاحها المنفلت، وتعزز سطوتها

على مفاصل الدولة ومؤسساتها بشكل مريع، مع استمرار بطشها بالمواطنين، واستهتارها بحق الشعب والدولة من دون أي رادع لها.

إنَّ التزييف في الانتخابات، التي جرت في الحادي عشر من الشهر الجاري، واضح مثل قرص الشمس للقاصي والداني.  ففي الوقت الذي أظهرت فيه كثير من المناطق في بغداد مثل، الكاظمية والأعظمية وزيونة والثورة وغيرها، إضافة إلى كثير من المناطق في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل، النجف وكربلاء وذي قار وغيرها، عزوفًا شبه تام، إذ كانت مراكز الانتخاب خالية من الناخبين تمامًا ، يتم الإعلان من قبل الجهات الخاضعة لسلطة المنطقة الخضراء

عن نجاح الانتخابات والمشاركة الواسعة فيها !!

وعليه، كيف تصدر “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” تقريرها الذي ينص على أن نسبة النتائج تجاوزت 56 في المئة، وأن العدد الإجمالي للتصويت بلغ 12 مليونًا ناخبًا من المجموع الكلي 21 مليونًا ؟؟!! ، في حين شاهد العالم بالصوت والصورة، في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، الإقبال الهزيل على صناديق الاقتراع؟

إنَّ المرحلة المقبلة ستكون فيها أوضاع العراق أسوأ بكثير عمّا كانت عليه سابقًا، خاصةً وأن هذا التزييف جرى برعاية خارجية علنية، وإلا كيف نفسر تجول مستشار السفارة الإيرانية في بغداد بأحد مراكز الانتخاب؟ وكذلك تهنئة المبعوث الشخصي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق مارك سافايا لنتائج الانتخابات، والمتناقض مع موقفه في مجابهة الفصائل الولائية وتحجيم دور إيران.

أمّا حديث ممثل الأمم المتحدة محمد الحسّان عن “العرس الديموقراطي” في العراق،  فيتنافى كليًا مع حقيقة الواقع الميداني.  ألا يعلم أن مفوضية الانتخابات ليست مستقلة كما تدعي، إذ أن أغلب موظفيها تابعين لأحزاب سياسية، ويتلاعبون عبر أجهزة الحاسوب بتزوير النتائج في مرحلة العدّ والفرز لصالح الجهات التابعة لها ؟.

ناهيك عن دور المال السياسي الذي مورس علنًا في شراء الأصوات، واستمرار حيتان الفساد بإنتاج النسخة ذاتها من دون تغيير حقيقي على الإطلاق، مما يدفع بالشارع العراقي إلى أن يصل إلى حافة اليأس والقنوط، حيث لا مستقبل واعد يلوح بالأفق، وكل ذلك يجري برعاية توافقية أميركية إيرانية.

ومن هنا، فلا مناص للعراقيين من أجل التخلص من هذه العملية السياسية الفاسدة، وينالوا حريتهم ويحققوا سيادة بلادهم، إلا بالإعداد إلى عمل ثوري جديد ينتفض فيه الشعب العراقي الأبي، ليواصل رفضه لكل ما خلفه الاحتلال، ويتم فيه توظيف خبراته في ذلك سواء سنوات المقاومة العراقية البطلة 2003-2011، وكذلك الأبعاد السياسية والاجتماعية في ثورة العشائر العربية عام 2013، ثم ثورة تشرين الشبابية الأبية عام 2019.

وهذا الأمر التاريخي إنّما تقع مسؤوليته بالدرجة الأساس على عاتق القوى الوطنية المخلصة، التي حافظت على ثباتها منذ دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى بغداد في 9 نيسان 2003 والى حد الآن، وكذلك كلُّ مَنْ يؤمن بهذا النهج الثوري التحرري، وبحق العراقيين في أن تكون لهم دولة حرة ومستقلة استقلالها حقيقيًا يمارس فيها الشعب الديمقراطية الحقيقية وليست تلك الممارسات الفاسدة التي جاء بها المحتل الأمريكي الإيراني.

فبذلك وحده نكون أمناء على العراق وعلى مستقبل أجياله القادمة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.