الطاقة كأداة سيادية في سودان ما بعد الحرب

صحيفة الهدف

محمد شريف
نشر موقع “سي إن إن بالعربية” موضوعًا مهمًا للكاتب التركي إردام أوزان بعنوان (طاقة بلا ولاء.. الاستثمار والسلطة وسياسات السلام في منطقة مُفتتة).
لو أسقطنا محتوى هذا المقال على السودان بعد الحرب، سنلاحظ فورًا كيف تغيّرت لعبة الطاقة في المنطقة. الطاقة اليوم لم تعد مجرد سلعة أو خدمة تقنية تُشترى وتُستهلك، بل أصبحت ورقة سيادية تتحكم في موازين القوة وتعيد تعريف معاني الشرعية والسلام.

السودان اليوم يستورد الكهرباء عبر شبكات الربط مع مصر وإثيوبيا، ويعتمد في الوقت نفسه على مصادر متنوعة للنفط وغاز الطبخ. هو الآن يقف عند مفترق طرق:
هل يستمر في الاعتماد على الخارج؟ أم يبدأ فعلاً في بناء نموذج سيادي جديد للطاقة؟

ربط الكهرباء مع دول الجوار ليس مجرد تعاون تقني عابر، بل يحمل في طياته اعترافًا سياسيًا ضمنيًا بأن هذه الدول صارت مزودًا موثوقًا للطاقة، وأن السودان يعتمد عليها بشكل أو بآخر. وفي غياب شبكة وطنية مستقلة، يتحول هذا الاعتماد إلى أداة تفاوض: أحيانًا تعزز السيادة، وأحيانًا تكرّس التبعية. هذا الاعتراف غير المعلن يفرض نفسه بقوة على علاقات السودان الإقليمية، ويفتح الباب أمامه ليعيد تعريف موقعه في منظومة الطاقة العابرة للحدود.

من جهة أخرى، فإن استيراد النفط وغاز الطبخ من الخليج أو ليبيا أو جنوب السودان لا يعني أن السودان في موقف ضعف، بل هو تنويع ذكي يمنحه هامش مناورة إستراتيجي. فمع وجود سياسة طاقة واضحة، يمكن أن يتحول من مستهلك تابع إلى شريك على طاولة التفاوض، يمتلك أوراق ضغط ناعمة في محيطه الإقليمي.

أما السلام في السودان، الذي ظل حلمًا بعيد المنال لعقود، فربما يجد مدخله الحقيقي في مشاريع البنية التحتية للطاقة. فالربط الكهربائي، لو أُدير بشفافية وعدالة، يمكن أن يتحول إلى منصة لبناء الثقة مع الجيران، خاصة مع استمرار التوترات الحدودية والمائية. فالبنية التحتية العابرة للحدود تخلق مصالح مشتركة، وغالبًا ما تكون أقوى من الاتفاقيات السياسية التقليدية.

لكن التحدي الأكبر يبقى في الداخل. فالطرف الذي يتحكم في توزيع الطاقة داخل السودان، يملك تلقائيًا قدرة على إعادة تشكيل موازين السلطة. توزيع الكهرباء على الولايات والمناطق المهمشة ليس مجرد خدمة، بل رسالة سياسية ووسيلة لدمج الجميع في مركز القرار. مشاريع الطاقة هنا ليست فقط وسيلة للتهدئة في مناطق النزاع، بل أداة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.

وفي هذا السياق، من الضروري توسيع مفهوم الطاقة ليشمل المياه والبيانات، لأن إدارة الطاقة لا تنفصل عن إدارة المياه (مثل سد النهضة والنيل)، ولا عن البنية الرقمية (كالعدادات الذكية والشبكات الإلكترونية).
السودان بحاجة إلى إستراتيجية متكاملة تربط بين هذه العناصر الثلاثة، حتى يحقق سيادة فعلية لا تقتصر على السيطرة على الموارد، بل تمتد إلى التحكم الشفاف والعادل في تدفقها وتوزيعها.

في النهاية، يقف السودان أمام فرصة نادرة ليعيد تعريف علاقته بالطاقة، لا كدولة مستهلكة وضعيفة، بل كفاعل إقليمي قادر على تحويل الاعتماد إلى شراكة، والتبعية إلى سيادة، والسلام إلى بنية تحتية حية تُدار عبر شراكات موثوقة.
هذه ليست مجرد فكرة نظرية، بل دعوة لإعادة التفكير في الطاقة كأداة لإعادة بناء الدولة من جديد.

#الهدف_أخبار
#ملف_الهدف_الاقتصادي
#الطاقة_في_السودان
#السيادة_الاقتصادية
#الربط_الكهربائي
#الطاقة_والسلام
#البنية_التحتية
#سودان_ما_بعد_الحرب
#السياسة_الطاقوية
#النفط_والكهرباء
#الاعتماد_الاقتصادي
#العلاقات_الإقليمية
#النهضة_السودانية
#SudanEnergy
#EnergySovereignty
#PostWarSudan

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.