مشاركة المرأة في الأنظمة الديكتاتورية: بين النجاة الرمزية والمقاومة الثقافية

صحيفة الهدف

في سياقات الحكم الاستبدادي، غالبًا ما تُطرح مشاركة الأقليات في السلطة كخيار اضطراري لا يُخون ولا يُعتبر انتهازية، بل يُفهم ضمن منطق النجاة السياسية. هذا المنطق برز في تجارب مثل مشاركة الجنوبيين في السودان إبان حكم عبود ونميري، حيث كانت المشاركة وسيلة لتقليل التهميش وضمان الحد الأدنى من التمثيل. لكن هل يمكن تطبيق هذا المنطق على مشاركة المرأة، لا بصفتها عضوًا في الحزب الحاكم، بل كفنانة أو كاتبة أو ناشطة مستقلة؟
هذا السؤال يفتح بابًا لتحليل أكثر تعقيدًا حول طبيعة المشاركة، وحدود الشرعية، وموقع المرأة في هندسة السلطة تحت الأنظمة الديكتاتورية.
المشاركة خارج الأطر الرسمية
مشاركة المرأة في الأنظمة الديكتاتورية لا تتم غالبًا عبر القنوات الحزبية أو المؤسسية، بل عبر الفضاءات الثقافية والإعلامية: الفن، الكتابة، الصحافة، وحتى النشاط الاجتماعي. هذه المشاركة لا تُمنح شرعية سياسية، بل تُخضع لرقابة ثقافية صارمة، وتُفهم أحيانًا كتهديد ناعم يعيد تشكيل الوعي الجمعي من خارج المنظومة الرسمية.
في المقابل، مشاركة الأقليات تُستوعب ضمن هندسة السلطة، وتُمنح هامشًا محسوبًا من الشرعية، حتى لو كانت وظيفية أو شكلية. هذا الفرق في طبيعة التمثيل يجعل مشاركة المرأة أكثر هشاشة، وأكثر عرضة للتأويل والتخوين، خاصة إذا لم تكن منضوية تحت مظلة حزبية أو مؤسسية.
دوافع المشاركة: النجاة أم المقاومة؟
الأقليات غالبًا ما تشارك بدافع الحماية أو تقليل التهميش، بينما المرأة المستقلة تشارك بدافع كسر الصمت، وإعادة تشكيل الخطاب، ومقاومة الهيمنة الذكورية المتغلغلة في كل مؤسسات المجتمع، بما فيها المعارضة نفسها. هذه المشاركة ليست تكتيكًا للبقاء، بل استراتيجية للتغيير، وإن كانت محدودة الأثر في ظل القمع السياسي.
لكن هذا لا يعني أن مشاركة المرأة تُخون أو تُعتبر انتهازية. بل على العكس، يمكن فهمها ضمن منطق النجاة الرمزية، ومحاولة انتزاع مساحة في المجال العام، تمامًا كما يُفهم تمثيل الأقليات في الأنظمة الاستبدادية.
حدود القياس
القياس بين مشاركة المرأة ومشاركة الأقليات ممكن من حيث المنطق الاضطراري، لكنه غير تام. المرأة لا تُستوعب ضمن هندسة السلطة، بل تُقاومها من خارجها. الأقليات تُمنح تمثيلًا سياسيًا، بينما المرأة تُمنح شرعية ثقافية مشروطة، تُسحب منها فور تجاوزها “الحدود المسموح بها”.
القياس يجب أن يُراعي السياق الثقافي والسياسي، لا فقط البنية السلطوية. فمشاركة المرأة المستقلة تحمل طابعًا نقديًا ضمنيًا، حتى عندما تكون غير سياسية في ظاهرها، لأنها تعيد تشكيل رموز السلطة والهوية من خلال الفن أو الكتابة أو التعبير الحر.
نحو إعادة تعريف المشاركة
في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري إعادة تعريف المشاركة خارج ثنائية “الشرعية/الخيانة”. مشاركة المرأة في الأنظمة الديكتاتورية ليست خيانة، وليست انتهازية، بل فعل مقاومة ناعم، يُعيد تشكيل الوعي، ويكسر احتكار السلطة للخطاب العام.
إن الاعتراف بأشكال المقاومة غير التقليدية، خاصة تلك التي تقودها النساء من خارج المنظومة الحزبية، هو خطوة نحو تفكيك الخطاب الأخلاقي حول المشاركة، وفتح المجال لفهم أكثر تعقيدًا للنجاة، والتمثيل، والمقاومة في سياقات القمع السياسي.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.