
أحمد مختار
#ملف_الهدف_الاقتصادي
متى تقف الحرب؟ سؤال يثقل ذاكرة كل مواطن سوداني. في زمن الحرب، انحسرت الطموحات وتقاصرت الآمال في الحياة الكريمة. يعيش “محمد أحمد” مأساة الحرب والموت على مدار اليوم، وتطارده مشاهد خراب الديار والمنازل، نزوح الأهل، تفرّق الأحباب، ولجؤ الأصحاب، وضنك الحياة، وعذابات الروح. صور الجثث والدمار لا تفارقه، فهي تسكنه في كل لحظة، ويعيش الخوف من الإصابة بأمراض مثل حُمّى الضنك والملاريا، ومن نقص العلاج وصعوبة الحصول عليه، فيكبر جبل الهم في نفسه ويطفح الحزن على قلبه الكسير.
ومع وصول النيل مرحلة الفيضان وغمره مناطق واسعة في خمس ولايات، ازداد ضغطه النفسي. يقف محتارًا أمام الانتشار المخيف للباعوض، ناقل الأوبئة والأمراض، ويواجه صعوبة في تأمين الحد الأدنى من احتياجات أسرته. التعليم صار سلعة في السوق؛ عليه أن يجد الدرجات والكراسي التي استُخدمت وقودًا للنار منذ بدايات النزوح، وأن يوفر الكتب والكرّاسات والزي والأقلام، ويدفع 75 ألف جنيه لكل طالب رسومًا، بينما مرتبات المعلمين وتأخراتهم ما تزال معلقة منذ سنوات. فالتعليم أصبح مجالًا للتجارة والاستثمار، يخضع لقانون السوق، وأصبح حكرًا على الأثرياء.
لماذا قامت الحرب إذن؟ يطرح المواطن هذا السؤال وهو مهموم بحصاد المحصول بعد أن بذل كل جهده في الزراعة، ويواجه اليوم تحديات الأمن وقطاعات الطرق والآفات الزراعية، ونقص الأيدي العاملة، وضغط الوقت، والمخاطر التي يتعرض لها العمال الموسميون. بعض المحاصيل لا تنتظر، ومواقيت حصادها محسوبة باليوم والساعة، كالسمسم والصمغ والتمر والخضروات على الشواطئ والسهول.
وتتسع دائرة الفقر والعوز والتشرّد، وهي ظواهر مؤلمة تتجلى في الأسواق والشوارع وأسوار المدارس ومراكز النزوح. في ظل الحرب، ازدهرت العطالة، وانعدمت فرص العمل والعيش الكريم، وانسدّ أفق المستقبل، مما دفع الملايين إلى الهجرة نحو المجهول، عبور الصحارى القاحلة والوديان المخيفة، أو ركوب أمواج البحار، وتحولت أجساد الآلاف إلى طعام للأسماك والتماسيح، ولم يسأل عنهم أحد، رغم مشاهد الأهوال التي تنقلها القنوات الإعلامية بلا توقف.
المواطن اليوم محطّم وعاجز أمام نقاط الجبايات والضرائب العشوائية الباهظة في الطرقات العامة والفرعية، بما يُذكّر بالاستعمار التركي وعقوده السوداء، حيث تُؤخذ أموال الناس بلا مسوّق أو قانون، وتُستخدم القوة والبطش والابتزاز. دفع الرشاوى أصبح ممارسة اعتيادية أمام الجميع.
ولا تتوقف معاناته عند ذلك؛ فتعثر تحويلات المغتربين، تآكل المدخرات، انحسار سوق العمل، كثرة طلبات الأهل والأقارب، وتعدّد الأمراض، كلها تضيف عبئًا جديدًا. الفساد الهيكلي والمؤسسي يمنعه من إنجاز أي معاملة، مهما كانت بسيطة، ويجعل حقوقه معلقة على ماسورة البندقية، خاضعة لمزاج من يحمل السلاح.
وقف الحرب اليوم ليس مجرد أمن، بل ضرورة حياة ووجود. المواطن لا يمكن أن يعيش في بيئة ملوّثة بالمواد السامة والمحرّمة دوليًا، مثل السيانيد والزئبق، المنتشرة في كل الولايات، إلى جانب المخدرات والأوبئة والسيول. حياته مقيّدة بمناطق نفوذ أطراف الحرب ومليشياتهم، يموت ألف مرة يوميًا، فكيف يستمر في العيش بكرامة؟ وكيف نطلب من النازحين واللاجئين العودة إلى الوطن؟
#حرب_السودان #أزمة_المواطن #الفساد_الهيكلي #حقوق_الإنسان #الأمن_الغذائي #ملف_الهدف_الاقتصادي #وقف_الحرب #معاناة_المواطن #الحياة_في_الحرب
Leave a Reply