من سيطرة المستثمر الأجنبي إلى شراكة المجتمع

صحيفة الهدف

محمد شريف
#ملف_الهدف_الاقتصادي

لوقت طويل، كانت إفريقيا ببساطة ملعبًا مفتوحًا للمنافسة الدولية. رأس المال الأجنبي يدخل بقوة، يخطط، ينفذ، ويوزع الأرباح، بينما المجتمعات المحلية غالبًا خارج دائرة اتخاذ القرار. فرص العمل المحدودة أو التعويضات الرمزية لم تكن كافية لتغطية آثار المشاريع الضخمة، خصوصًا مع تجاهل واضح للجوانب البيئية والاجتماعية، خاصة في قطاعات التعدين والطاقة.

لكن المشهد تغيّر. في السنوات الأخيرة، بدأنا نرى تحولًا هيكليًا تقوده المجتمعات المحلية، مع ارتفاع الوعي الحقوقي وضغوط بيئية متزايدة. أصبح من الواضح أن نموذج الاستثمار التقليدي لم يعد مستدامًا، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا.

نموذج المستثمر الأجنبي المسيطر: التحديات

  • هيمنة رأس المال الأجنبي على كل مراحل الاستثمار: من التخطيط إلى التنفيذ والتوزيع.

  • المجتمعات المحلية غالبًا خارج الصورة، أو تشارك بشكل محدود للغاية، سواء في التوظيف أو في التعويضات.

  • القضايا البيئية وحقوق الإنسان لا تحظى بالاهتمام الكافي.

النتيجة؟

  • تصاعد الاحتجاجات الشعبية، خاصة ضد المشاريع التي تؤثر على الأراضي التاريخية أو تتسبب في تهجير السكان.

  • فقدان الشرعية السياسية للمشاريع، ما يؤدي غالبًا إلى الإلغاء أو إعادة التفاوض.

  • أزمة ثقة بين الدولة والمجتمع، وظهور خطاب مقاوم لفكرة التنمية المفروضة.

التحول إلى شراكة المجتمع، المحركات والمؤشرات

  • المجتمعات المحلية باتت أكثر وعيًا بحقوقها، خصوصًا بين الشعوب الأصلية.

  • المعايير الدولية للاستثمار تطورت، مع ظهور مبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والاستثمار المسؤول.

  • أصبح الاستقرار الاجتماعي شرطًا أساسيًا لجذب الاستثمار طويل الأجل.

عمليًا، يظهر هذا التحول في:

  • إدماج مبدأ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة في عقود الاستثمار.

  • ظهور نماذج الملكية المجتمعية الجزئية وصناديق التنمية المحلية.

  • اشتراط التقييم البيئي والاجتماعي بمشاركة حقيقية من المجتمع قبل تنفيذ أي مشروع.

نماذج عملية للتحول:

  1. مشروع هايفن للهيدروجين الأخضر، ناميبيا: انسحاب شركة RWE الألمانية بعد احتجاجات شعب الناما كان رسالة واضحة: غياب الشراكة المجتمعية قد يهدد حتى أكثر المشاريع طموحًا في الطاقة المتجددة.

  2. مشروع Grand Inga للطاقة الكهرومائية، الكونغو: رغم حجمه الضخم، واجه المشروع تأجيلات مستمرة بسبب غياب التوافق مع المجتمعات المتضررة. التوجه الجديد لإشراك هذه المجتمعات في التخطيط والتعويضات خطوة أساسية نحو الاستدامة.

  3. مشروع Desert to Power الساحل الإفريقي: بقيادة البنك الإفريقي للتنمية، يركز المشروع على دمج المجتمعات المحلية في التدريب والتشغيل وتوزيع العوائد، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز الاستقرار وتقليل التوترات.

  4. قطاعات التعدين في تنزانيا وزامبيا: فرضت الحكومات هناك شروطًا جديدة على الشركات، منها إنشاء صناديق تنمية محلية وتوظيف نسب محددة من السكان المحليين. هذه الخطوات جاءت استجابة للضغط الشعبي، وأعادت للدولة دورها كضامن للعدالة المجتمعية.

خلاصة:
الانتقال من هيمنة المستثمر الأجنبي إلى الشراكة المجتمعية في إفريقيا ليس مجرد تحديث في العقود، بل تحول في فلسفة التنمية ذاتها. لم يعد رأس المال وحده هو اللاعب الأهم، بل أصبح الإنسان في قلب المشهد. اليوم، إفريقيا تعيد تعريف شروط الاستثمار، وتفرض معايير جديدة، لا فقط عبر الحكومات، بل من خلال مجتمعاتها التي أصبحت تدرك أن التنمية الفعّالة تُبنى على الشراكة الحقيقية. الشركات والمستثمرون الذين يتجاهلون هذه التحولات يخاطرون بخسارة فرص واعدة في سوق سريع التغير.

#الهدف
#ملف_الهدف_الاقتصادي
#إفريقيا
#الاستثمار_الأجنبي
#شراكة_المجتمع
#التنمية_المستدامة
#الاستثمار_المسؤول
#الملكية_المجتمعية
#البيئة
#حقوق_الإنسان
#الطاقة
#التعدين

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.