
زكريا نمر
هناك امرأة تجلس وحدها بين الصفحات، بين الكتب القديمة والحديثة، بين أفكار الفلاسفة ونظريات العلماء، وبين أخبار السياسة والتكنولوجيا التي تتطور حولها بسرعة. المجتمع من حولها لا يرى في علمها إلا تهديدًا أو غرابة. ينظر إليها كما ينظر إلى غريب يقتحم عالمه المألوف. هنا، في هذا المجتمع الذي يهمش المرأة ويقلل من قدراتها، تبدأ قصتها الحقيقية.
هي لم تختر أن تكون ذكية أو مثقفة. وُلدت لتفكر، لتقرأ، لتسأل، لتعرف، ولتصنع لنفسها عالمًا يختلف عن ذلك العالم الضيق الذي حولها. في كل صباح، تواجه نظرات الاستهزاء، وفي كل مساء، تتلقى التعليقات التي تذكرها بأن مكانها ليس هنا. لكن كل كتاب تقرأه، وكل فكرة تفهمها، يزيدها قوةً صامتة، ويمنحها إصرارًا على أن تكون موجودة، وأن يكون صوتها مسموعًا، حتى لو كان عبر صفحات لا يراها المجتمع.
تعلمت أن تصبح خفية بين الناس، وأن تتقن فن الصبر والمراوغة. في المكتب، في الجامعة، في المقاهي، وفي أي مكان يمكن أن تلمح فيه عيون المجتمع، تتصرف كما لو أنها عادية، لكنها في داخلها تفكر، تحلل، وتخطط. الذكاء لا يحتاج دائمًا إلى مَن يعترف به، لكنه يحتاج فقط إلى إرادة لمواجهته.
كتاباتها ليست مجرد كلمات على الورق، بل رسائل صامتة للنساء الأخريات، وللرجال الذين يرفضون رؤية قيمة المرأة. القراءة تعلمك الحرية، والمعرفة تمنحك القوة، والقلم يجعل صوتك أقوى من الصمت المفروض عليك. كل مقال تنشره، كل قصة تكتبها، وكل تحليل سياسي أو اجتماعي تشاركه، هو محاولة لإظهار ما لا يريد العالم أن يراه: أن المرأة المثقفة ليست تهديدًا، بل مستقبل لم يُكتب بعد.
في مجتمع يعتقد أن المرأة التي تعلمت الأدب والفلسفة والسياسة والتكنولوجيا أمرٌ نادر وغريب، يصبح صمتها صرخة، وقراءتها سلاحًا، وعملها على تطوير نفسها تحديًا يوميًا للجمود الذي يحيط بها. إنها ليست مجرد قارئة، وليست مجرد كاتبة، إنها شهادة حية على أن القوة الحقيقية للمرأة تكمن في ما تعرفه وما تصنعه لنفسها، بعيدًا عن التقدير الزائف والاعتراف المتأخر.
#المرأة_المثقفة
#تمكين_المرأة
#المرأة_والفكر
#المرأة_العربية
#قوة_المعرفة
#ملف_المرأة_والمجتمع
#صحيفة_الهدف
#نساء_ملهمات
#المرأة_في_الجنوب
Leave a Reply