أسطول الصمود: ضوء في عتمة حكام الخزي والتطبيع م. عبد المنعم مختار

صحيفة الهدف

أسطول الصمود لم يقدّم للعالم معجزة عسكرية، لكنه فعل ما عجزت عنه دولٌ وقادةٌ: جعل صوت الإنسان يُسمَع وسط صرير آلات القـ.ـتل والسياسات المُتيبِّسة. حين أبحر نشطاءٌ من قارات العالم صوب غـ.ـزة، لم تكن الرحلة مجرد محاولة لإيصال مساعدات — كانت صرخة أخلاقية تذكر بأن الإنسانية لا تمـ.ـوت طالما هناك من يغامر بحياته دفاعًا عن كرامة شعبٍ يُذ.بح ويُجوع.

مشروع أسطول الصمود لم يأت من فراغ: فكرة تولّدت في قلب المجتمع المدني الدولي، حشدت سفنًا ومتطوعين من عشرات الدول، ووضعت نفسها على خط المواجهة ضد حصارٍ امتد لسنوات. التنظيم، الرحلات، تجهيز القوافل، واختيار المسارات — كل ذلك انجزه متطوعون واجهوا مخاطر اعتقالٍ واعتراضٍ وحتى اعتـ.ـداءات بحرية، ونجحوا في لفت أنظار العالم إلى معاناة المدنيين في غـ.ـزة.

المخاطر كانت حقيقية: اعتراضات بحرية، عمليات اقتـ.ـحام ونقل مشاركين إلى موانئ “إسرائيلية”، وتهديدات متواصلة. ومع ذلك، جاء الدعم الشعبي والدولي متنوعًا — من منظمات إنسانية إلى حكومات أعربت عن قلقها إزاء سلامة النشطاء والمساعدات. هذه الأصوات أعطت المشروع شرعية أخلاقية وسياسية يراد للحكومات العربية أن تتحلى بها لكنها غائبة.

وما يزيد المرارة أنَّ غياب الحكومات العربية عن ميدان الدفاع عن الفلـ.ـسطينيين لم يأتِ فقط من تقاعس؛ بل من تطبيعٍ مستشرٍ يبرر الوقوف على الحياد أو الانحياز. بل إن لقاءات سابقة بين بعض قادة المنطقة ومسؤولين “إسرائيليين” أثارت تساؤلات وانتقادات واسعة، وغيّبت عن الشعب موقفًا واضحًا يوازي حجم الجـ.ـريمة التي تُرتكب. لا نقول إلا ما تكتبه التقارير: أن لقاءات ومماحكات سياسية ربطت أسماء وقادات بتواصل مع “تل أبيب”، وما على الحكومات إلا أن تشرح موقفها للشعب.

ختامًا، نجاح أسطول الصمود ليس في كـ.ـسر الحصار الكامل بقدر ما هو في كـ.ـسر صمت العار. لقد أظهر أنَّ مـ.ـقاومة الشعب وضمائر البشر يمكن أن تملأ فراغ مواقف الدول، وأن الفعل المدني قادر على تحويل اليأس إلى بصيص أمل. أما الحكام الذين اختاروا الجلوس في مقاعد الخذلان فالتاريخ سيذكرهم: إما أن ينتفضوا دفاعًا عن كرامة الأمة، أو يظلّوا شاهديْن على فصولٍ من الخزي لا تُمحى.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.