أستيلا قايتانو.. مرآتنا الصادقة

صحيفة الهدف

 سناء خالد

#ملف_الهدف_الثقافي

لا أملك إلا أن أَعجب وأُعجب، كيف لـ إنسانةٍ عاشت وعايشت كلَّ ذلك الألم والنزيف أن تضحك، تتونس، تهزر، تكاوي، بل وبعد ذلك كلّه تبقى مذهلةً كما النقاء، ولها قدرةٌ وطاقةٌ تدخلك بها توووش وتتحكّر في قلبك دون استئذان، وكأنها عرفت دروبها فيه قبل أن تلتقيك! هذا إن جاد عليك زمانك بنعمة اللقيا بها.

في روايتها “إيريم“، الامتداد القائم بذاته لروايتها السابقة “أرواح إدو“، قررت أستيلا أنّه حان وقت المواجهة، المصارحة، أو قل (المجارحة). أخذت مبضعها وأعملته ببراعة، تعيد فتح جروحٍ في جسد تاريخٍ مَسْخٍ طالما حاول الكثيرون تغطيته وتجاهله، رغم علمهم بصيرورته الحتمية للتعفّن والغرغرينا ومن ثمّ تقطيع أوصال الوطن!

إيريم الاسم الجنوبي..

سلام الاسم الشمالي..

وبين الاسمين النقيض، قلبُ طفلةٍ لم تلوثه الأضغان.

“إيريم” تشبه أستيلا كثيرًا، حتى لو لم تماثلها جينيًا؛ فهي تمثلها في ثنائية الهوية: الجنوبُ شماليةٌ أو الشمالُ جنوبيةٌ. كقارئ، سترى أستيلا متنازعةً كما تتنازع إيريم بين عشقين ووطنين وجرحين.

تقول أستيلا: “الرواية دي أنا كتبت ومسحت نصها، أتعبتني جدًا، ولسه تاعباني. ما قدرت أرجع لقراءتها مرة أخرى قبل النشر، خفت أمسح أكتر!”.

يمكنك أن تشعر بترددها وحرصها على التلطف بنا، حتى وهي تُجري مبضعها فينا وتُخرج من أحشاء الجرح وصمةَ كلٍّ منّا لتقذفها في وجهه. تقول:

“قررت ألا أصمت أكثر، وأرمي لكل زول وصمته في وجهه”.

لا تُكمل باللازمة التقليدية: “يرضى وإلا يزعل”!

لا أدري كيف يشعر القارئ للرواية من جنوب السودان، لكنني أحسّ بالألم والعار، خصوصًا وأن كلّ تلك السير لم تغدُ بعدُ تاريخًا، بل الكارثة لا زالت حاضرةً وتتجدّد بضراوةٍ أشدّ لتقضي على ما تبقّى من وطن!

قلتُ إنّ أستيلا في مواجهتها الخادشة لجبننا لم تتخلّ عن لطفها؛ ببراعةٍ تفلقك وتداويك، مُطبّبةٌ تضع يدها على موضع الألم، تحقنك بالدواء، وفي ذات الحين تعمل على إلهائك عن طعم الوخزة، وتربّت على ضميرك المذعور، مذكّرةً إيّاه بأنّه شخصٌ جيّد، أو قد يكون، وربما أيضًا ضحية!

استيلا قايتانو رفعت لنا جميعًا المرآة لنرى أنفسنا على حقيقتنا، فهل نملك شجاعةً تكفي للنظر فيها؟!

#استيلا_قايتانو #إيريم #الرواية_السودانية #سناء_خالد #أرواح_إدو #الجنوب_والشمال #أدب_الهوية

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.