أمجد أحمد السيد
#ملف_الهدف_الثقافي
تفيض أغنية “إمتى أرجع لأم در وأعوده” للشاعر عمر البنا بالشوق والحنين، وتكشف عن روحٍ عاشقة تتلهف للعودة إلى أم درمان التي كانت بالنسبة له أكثر من مدينة، كانت رمزًا للحب والأمان والذاكرة. كتبها البنا وهو يعيش حالة من الفقد، فامتزج فيها حنينه للديار بحنينه للمحبوبة، حتى صارا وجهين لعاطفة واحدة.
يبدأ النص بنداءٍ داخلي عميق، يعبّر عن الغائب الذي ترك قلبه في مكانه الأول، وراح يبحث عنه بين الذكريات. تتشكل صورة أم درمان في القصيدة كأنها الحبيبة البعيدة، مدينة تتزين بوجه امرأة ودودة، وتستعيد بريقها كلما اشتعل الحنين في صدر الشاعر. إنه حنين الإنسان للوطن وللأيام الجميلة التي مضت، لكنه أيضًا حنين القلب لمن منحوه الدفء ثم غابوا.
في هذا العمل تتجلى بساطة عمر البنا وصدق تجربته. لغته شفافة، لا يزخرفها بالتكلف، بل يتركها تمضي من القلب إلى القلب. كل جملة تنبض بالعاطفة الإنسانية الخالصة، وكل صورة تحمل نكهة أمدرمان القديمة بأزقتها، وأنغامها، وناسها الطيبين. الأغنية تحكي عن شوق لا يهدأ، عن روح ضاعت في نار الفراق وتنتظر أن تفي الأقدار بوعودها باللقاء.
البنا ورهافة الوجدان
ينتمي عمر البنا إلى جيل الحقيبة الذي وضع الأساس الأول للأغنية السودانية الحديثة، إلى جانب شعراء مثل أبو صلاح وسيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن وخليل فرح. كان هؤلاء الرواد هم صوت الوجدان الجمعي للسودانيين، إذ حولوا الحياة اليومية إلى شعر، والعاطفة إلى موسيقى، والمدينة إلى قصيدة. غير أن عمر البنا تفرّد عنهم بصدق حنينه ورهافة وجدانه، إذ كتب عن الحب كما يعيشه لا كما يتخيّله، وجعل من الشوق إلى أم درمان رمزًا للانتماء والوفاء.
صدى الأغنية في زمن الـ ح.رب
واليوم، وبعد مرور عقود طويلة على كتابة هذه الأغنية، تعود كلماتها لتكتسب معنى جديدًا في ظل الـ ح.رب التي فرّقت السودانيين عن مدنهم وبيوتهم. صار السؤال الذي طرحه عمر البنا: أمتى أرجع لأم در وأعود؟ سؤالًا حاضرًا في قلوب الآلاف من أبناء الوطن الذين يحنّون إلى مدينتهم الأولى، وإلى لحظات الطمأنينة التي غابت تحت ركام الـ ح.رب.
إن هذه الأغنية القديمة تنبض اليوم بالحياة من جديد، لأنها تختزن ما يشعر به كل سوداني مشتاق إلى وطنه. إنها تذكّرنا بأن الحنين لا يموت، وبأن المدن التي أحببناها ستظلّ تنتظرنا مهما طال الغياب. فـأمدرمان التي ألهمت شعراء الحقيبة ستبقى رمزًا للجمال والوفاء، وموئلًا للذاكرة التي لا تنطفئ مهما اشتدت النيران.
بهذا المعنى، تتحول “أمتى أرجع لأم در وأعوده” من أغنية غرامية إلى نشيدٍ وطنيٍ وجداني، يربط بين الماضي والحاضر، ويمنحنا الأمل بأن عودة الحياة إلى مدننا ممكنة، وأن الغناء سيبقى جسرًا بين الوجدان والهوية، وبين ما فقدناه وما نرجوه من غدٍ أجمل.
نص الأغنية
أمتي ارجع لأم در وأعوده
وأشوف نعيم دنيتي وسعوده
أمتي تلمع بروق رعوده
حظوظي تنجز لي وعوده
روحي ضاعت في النار قعوده
لي هون يا ربي عوده
أشوف حبيبتي وأنظر خدوده
عساها ترحم تكون ودوده
ومسامعي تسكر من ردوده
وتطفي ناري الفاتت حدوده
أشواق كتيرة الدموع شهوده
وللمنام العيون زهوده
وفي الهجر روحي ضاع مجهوده
لم تزل حافظة لي عهوده
يا المن فراقك أيامي سودا
خلاف وصالك دايمًا كسوده
غير محاسنك مين يسوده
#ملف_الهدف_الثقافي #عمر_البنا #شعر_الحقيبة #أمتى_أرجع_لأم_در #أمدرمان #الحنين_للوطن #الذاكرة_الحية #أغاني_سودانية

Leave a Reply