الأحواز العربية الم.حت.لة – جرح الأمة العربية بين نهب الثروة واغت.يال الهوية

صحيفة الهدف

أ. طارق عبد اللطيف أبوعكرمة

#آراء_حرة

حين نقرأ خريطة الأمة العربية، ندرك أن هناك جرحاً عميقاً ظلّ يُراد له أن يُنسى أو يُطمس، جرح الأحواز العربية، التي اجتاحها الاحت.لال الإيراني عام 1925 بقرار قسري من رضا شاه، بعد أن كانت إمارة عربية قائمة الذات تحت حكم الشيخ خزعل الكعبي. وتمتد ما بين عبادان وبندر عباس. هذا الاحت.لال لم يكن حدثاً عابراً في التاريخ، بل كان تدشيناً لسياسة شعوبية توسعية تهدف إلى محو هوية شعبٍ عربي، والسيطرة على ثروات هي من أعظم ما تملك المنطقة.

فالأحواز، بمساحتها الشاسعة (342الف كلم مربع)، التي تعادل ستة عشر مرة مساحة فلس.طين العربية، ليست مجرد أرض م.حت.لة، بل هي خزان الطاقة الحقيقي للم.حت.ل الإيراني. إذ تنتج ما يقارب 95% من النفط الإيراني، إضافة إلى الغاز والمياه العذبة والأراضي الزراعية الخصبة. ومع ذلك يعيش الشعب العربي الأحوازي في فقر مدقع، تحت القمع والحرمان، بينما تُضَخ ثرواته إلى مراكز السلطة في طهران، وتُستعمل لبناء مشاريع الهيمنة الإقليمية وتمويل ح.روب الوكالة التي تمزق الأمة العربية.

الاحت.لال الإيراني للأحواز يمثل نموذجاً لـ (استعمار الهوية) حيث تتحول الأرض إلى مسرح لصراع الأنثروبولوجيات. ليس مجرد تغيير لأسماء المدن، بل هو إعادة تعريف للإنسان العربي الأحوازي: من عربي إلى فارسي، من صاحب أرض إلى غريب عليها. هذا الصراع يذكرنا بأسئلة فلسفية عميقة، هل الهوية اختيار أم قدر؟ ومن يملك حق تعريف الإنسان، نفسه أم القوة المسيطرة؟

أولاً: الاحت.لال الإيراني: من الهيمنة إلى الاستلاب

الاحت.لال الإيراني للأحواز العربية ليس مجرد سيطرة جغرافية، بل مشروع استلاب ثقافي وحضاري. فقد مورست سياسة التتجير (تفريس العرب)، عبر منع اللغة العربية في المدارس والإعلام، وتغيير أسماء المدن العربية، وفرض الطقوس الفارسية بالقوة، تماماً كما مارس الكيان الصه.يوني سياسة الطمس في فلس.طين. هذه السياسات لا تعبّر فقط عن نزعة إمبراطورية توسعية، بل عن نزعة شعوبية تحمل عداءً تاريخياً للعروبة، وتخشى من نهضتها، لأن نهضة العرب تعني سقوط أوهام الهيمنة الإيرانية.

ثانياَ: البعد القومي العربي للقضية:

من منظور قومي، فإن احت.لال الأحواز العربية ليس قضية محلية تخص أبناءها وحدهم، بل هي قضية عربية بامتياز، تماماً كما هي قضية فلس.طين. فالعدوان على جزء من جسد الأمة العربية عدوان على الأمة العربية كلها. وإذا كانت فلس.طين قد تحولت إلى رمز كوني للحرية، فإن الأحواز يجب أن تتحول إلى الجرس المنسي الذي يوقظ الضمير العربي.

الاحت.لال الإيراني للأحواز العربية هو الوجه الآخر للاحت.لال الصه.يوني لفلس.طين: كلاهما اغت.صب الأرض، ونهب الثروة، وحاول تدمير الهوية. الفارق الوحيد أن الاحت.لال الإيراني تخفى خلف شعارات (الممانعة) و(نصرة فلس.طين)، بينما تبني قوتها الاقتصادية والسياسية على دماء وموارد الأحواز العربية. وهنا يظهر التناقض الفج: كيف يمكن أن يُرفع شعار الدفاع عن فلس.طين، فيما تُستعبد أرض عربية كاملة داخل حدود إيران؟

كما أن الاحت.لال الثقافي للأحواز يمثل نموذجاً لما بعد الكولونيالية، ليست القوة العسكرية وحدها هي أداة السيطرة، بل اللغة والتعليم والإعلام هم جنود الاحت.لال الخفيين. تحويل العربي إلى فارسي ليس عملية سياسية فقط، بل هي عملية ق.تل رمزي للإنسان الأحوازي ثم إعادة خلقه بصورة جديدة.

إن تحرير الأحواز وفلس.طين (وكل الأراضي العربية الم.حت.لة)، ليسا قضيتين منفصلتين، بل هما جبهتان لنفس المعركة الوجودية؛ معركة الوجود العربي ضد مشاريع التفكيك والاستبدال. فكما أن الاحت.لال الصه.يوني يمثل رأس ح.ربة الاستعمار الغربي الذي يطعن الأمة العربية من غربها، فإن الاحت.لال الإيراني يمثل امتداداً لمشروع شعوبي استعماري يطعنها من شرقها. وكلا المشروعين يتقاسمان نفس الاستراتيجية، والمتمثلة في اقتطاع أجزاء حيوية من الجسد العربي، ونهب ثرواته، وتشويه هويته، وإدامة حالة الضعف والانشغال الداخلي التي تمنع نهضته. لذلك، فإن تحرير أي منهما مرتبط بحتمية تحرير الأخرى؛ فسقوط أحد المشروعين هو بداية النهاية للآخر، وانتصار العرب في إحدى الجبهتين هو انتصار في الجبهتين معاً. إنها معركة المصير الواحد.

ثالثاً: موقف البعث: التحرير شرط النهضة

حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نشأته وضع التحرر القومي كقضية مركزية، ورأى أن كل احت.لال، صه.يوني كان أو شعوبي، هو جزء من مؤامرة واحدة ضد الأمة العربية. فالحرية لا تتجزأ، ووحدة المصير تقتضي أن تكون الأحواز وفلس.طين والعراق وسوريا وكل أرض عربية م.حت.لة جزءاً من معركة واحدة ضد الاستعمار وأدواته.

لإن الثروات العربية يجب أن تكون في خدمة الأمة العربية، لا أن تتحول إلى وقود لمشاريع الآخرين. تحرير الأحواز العربية ليس مطلباً سياسياً فحسب، بل هو ضرورة وجودية لبقاء الأمة العربية حرة وقادرة على بناء مشروعها النهضوي. فكل يوم تبقى فيه الأحواز العربية تحت الاحت.لال، هو يوم يُنهب فيه النفط العربي لصالح مشاريع الهيمنة الإيرانية، ويُسحق فيه شعب عربي تحت آلة القمع.

رابعاً: بين الفلسفة والتاريخ: الأحواز كاختبار للإرادة العربية:

الأحواز العربية تمثل مفارقة الوجود العربي بين الذاكرة والنسيان، بين الادعاء بالوحدة والواقع التفتيتي. هي اختبار للزمن التاريخي العربي: هل نحن أمة عربية تمتلك إرادة البقاء، أم مجرد شعب يعيش على هامش تاريخ الآخرين؟ الاحت.لال الإيراني ليس مجرد استعمار للأرض، بل هو استعمار للزمن العربي نفسه – محاولة لقطع الشعب العربي الأحوازي عن ماضيه العربي ووضعه في زمن فارسي مفروض.

القضية الأحوازية هي مرآة لمحنة العرب الكبرى، إما أن نظل ممزقين، تُستباح أرضنا وثروتنا، أو أن ننهض لنصوغ مستقبلنا بإرادة موحدة. وهنا تلتقي الفلسفة بالتاريخ؛ فالمسألة ليست فقط تحرير أرض، بل تحرير معنى: معنى أن نكون عرباً أحراراً، نملك مصيرنا وثرواتنا، ونعيد للعالم دورنا الحضاري.

ولعل اللحظة التاريخية الراهنة، مع الصحوة العالمية ضد الهيمنة وتراجع مركزية الغرب، تمثل فرصة لإعادة طرح قضية الأحواز كقضية مركزية للأمة العربية. تماماً كما تحوّلت فلس.طين إلى رمز عالمي، يمكن للأحواز العربية أن تتحول إلى قضية العدالة العربية المغيَّبة، إذا ما توافرت الإرادة والوعي والقيادة. قضية الأحواز تطرح إشكالية الزمن العربي: نحن نعيش في زمن مكسور، حيث الماضي العربي المجيد لا يلتقي مع الحاضر المُذل، ولا يستطيع أن يولد مستقبلاً مُشرقاً. تحرير الأحواز ليس مجرد استعادة للفضاء الجغرافي، بل هو استعادة للزمن التاريخي العربي – إصلاح للانكسار الزمني الذي يعيشه العرب منذ قرون.

ربما حان الوقت لطرح قضية الأحواز ليس فقط كقضية عربية، بل كقضية إنسانية في عالم يئن تحت وطأة الهويات المقهورة. الشعب العربي الأحوازي ليس ضحية للاحت.لال الإيراني فقط، بل هو ضحية للصمت الدولي، وضحية لانشغال العرب بأنفسهم، وضحية لعالم يرفع شعار حقوق الإنسان وينتقى من يمنحها إياه.

خاتمة: الأحواز ليست هامشاً جغرافياً ولا قضية منسية، بل هي جبهة متقدمة في الصراع على الهوية والثروة والحرية. احت.لالها عام 1925 لم يُسقط هويتها، بل جعلها أكثر رسوخاً في الوعي العربي. وحين نقول (تحرير الأحواز)، فنحن لا نعني فقط إزالة هيمنة إيران، بل نعلن إرادة الأمة العربية في أن تُعيد صياغة وجودها من جديد: أمة واحدة، ذات رسالة خالدة، ترفض أن تُستنزف ثرواتها أو تُستعبد شعوبها. إن تحرير الأحواز شرط أساسي لتحرير فلس.طين، وشرط لبناء مستقبل عربي مستقل، وشرط لإسقاط كل أشكال الاستعمار – الصه.يوني منها والشعوبي – معاً. وهذه ليست رؤية سياسية عابرة، بل هي فلسفة وجودية، إما أن تتحرر الأمة العربية كلها، أو أن تبقى كلها سجينة.

((يا قاعْ ترابِجْ كافورْ على الساتِرْ هَلَّا على الشاجورْ))

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.