
مجدي علي
بعد سنوات من الانتظار والمراوغة مع الذات، تفرج الكاتبة أشواق الصديق عن عملها الأول “بعض عمر”، ليكون شاهداً على مسيرة حياتها وذاكرة جيل كامل. بين دفتي الكتاب، تنبض الحكايات كما لو كانت تتحدث، تحمل المقتطفات من حيوات مضت، تجارب عاشت فيها الكاتبة ملامحها، وأحاديث الأخوات، والأمهات، والخالات، ونسوة الحي، ورجالاً حملوا رموزًا ومعانٍ، منتجًا يستحق الاحتفاء.
تقول أشواق لـ(الملف الثقافي للهدف): “بعض عمر”، “يحمل حكايا الصديقات وهموم النساء في جلسات (الجبنة) الليلية، وسهرات المراهقات وأحلامهن الأولى، ومعاني الأمومة التي تكتشفها المؤلفة وتتحسسها، وقصص الحب والأمل والخذلان، لحظات الخسارة والرحيل، ولحظات الولادة من جديد.
الكتاب ليس مجرد كلمات على الورق، بل مساحة شاسعة من الذكريات التي تمثل المدينة، الرحلات، السيارات، الأحياء القديمة، الجيران وأبناء الجيران. من مكة القديمة إلى الرياض الحديثة، يحمل القارئ بين صفحاته إلى حضن الخرطوم وأحياء “الرميلة” و”الجريف”، وصخب الحافلة التي تنقلها طفلة مع حقيبتها والمساطر بين عالمين متوازيين، عالم الطفولة وعالم الشباب، وعالم الذات التي تنمو وتتحول.
تكشف الكاتبة أنها حذفت نصف ما كتبت خلال التنقيح: “فليس كل ما يُعرف يُقال، ولا كل ما يُكتب قابل للمشاركة»”. ومع ذلك، ظل الكتاب محتفظًا بروحه، شاهداً على رحلة عمر كامل، يتقاطع فيها الفرد مع ذاكرة المجتمع، والذات مع الآخرين، ليصبح “بعض عمر” بصمة وأثر تركته المؤلفة للعالم.
الرسالة في الكتاب تمتد إلى الأجيال القادمة: “الفتيات والفتيان الذين يبحثون عن أنفسهم ويجدون في الكلمات مرآةً لهم، ورفاقها وأبناء جيلها الذين خبأوا المجلات والقصاصات في دفاتر سرية، وشاركوا قصائد نزار قباني بأسماء مستعارة في المنتديات الشعرية”. أما الجيل المربي، فهو قبلة على الجبين، تقديرًا لرحلة شاقة خاضها ليكون مصدر إلهام للأجيال التالية.. “هو بعض عمر، ويعني لي الكثير. هو بصمة وأثر قررت تركه في هذه الحياة”، تقول الكاتبة.
بهذا العمل، تُقدّم أشواق الصديق صوتًا جديدًا إلى المشهد الأدبي السوداني والسعودي والعربي؛ صوتًا يزاوج بين الحنين والبوح، بين الاعتراف والتأمل، ليصوغ نصًا صادقًا عن هشاشة الإنسان وصلابته، عن الذاكرة والحياة، وعن أثر العمر الذي لا يزول.
الكتاب يُعرض رسميًا ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، ليكون بصمة في ذاكرة القراء، ودعوة لكل من يقرأه للتأمل في حياتهم وذكرياتهم، والتصالح مع رحلتهم الخاصة في هذا العمر.
.
Leave a Reply