نهج المساومة والمحاصصة في السلطة .. لا يشكل مخرج للازمة الوطنية

نهج المساومة والمحاصصة في السلطة .. لا يشكل مخرج للازمة الوطنية

علي حمدان

يخطو السودان على اعتاب مرحلة جديده من تاريخه السياسي بعد انفصال الجنوب وتحت وطأة صدمة هذا الحدث بدأت تطرح في اوساط الرائ العام وعلى نطاق واسع العديد من الاسئلة المصيرية التي افرزها الواقع الجديد بتداعياته الكارثية حول طبيعة ما حدث وجذوره ومسبباته والمسؤول عن حدوثة ؟ ومايترتب عليه من اثار في مختلف مجالات الحياة وعلى المديين الراهن والمستقبل ؟ وعما اذا كان انفصال الجنوب مجرد خطوه نحو تقسيم بقية السودان تباعاً ؟

ومن منطلق مسؤليتها الكبيرة عما يتعارف عليه بالجريمة الاخطر في تارخنا الوطني ؟ يصبح لزاماً على السلطة الحاكمة تقديم اجابات تستوعب حمولة هذه الاسئلة وتكون بمستوى التحديات التي طرحها الحدث ومتكافئه مع رهانات مواجهة المستقبل القاتم ومالات السودان الى اين ؟ يكون ولا يكون ؟ ولان النظام صدى لصوت سياسته مارس حوار الطرشان داخل اروقة حزبه على مدى مايقارب الثلاثة اشهر وبدلاً من ان يخرج للرائ العام السوداني باجابات حاسمة على الاسئله السابقة تمخض جهده عن اعلان ذات السياسات القديمة التي اورثت البلاد الحروب والتمزق والافقار وبموازاة ذلك دخله في حوارات مارثونية مع زعامات حزبي الاتحادي والامة وبذات العقليه وبمايشبه المزاد ولكن على طريقة السلطة الحاكمة حيث يرسو العطاء لمن يتنازل اكثر لتجسير انتقاله لمقاعد السلطة ، حيث ارتضت زعامتي الاتحادي الديمقراطي والامة ان تكون مجرد ديكور في سلطة يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطني يتزين به كلما أقتضى الحال الحديث على التعددية والتحول الديمقراطي املاً في الخروج من ازماته وعزلته وترتيب اوضاعه بتوسيع قاعدته بمكياج جديد (نيولوك) ولكن في ذات السياق القديم باعادة انتاج النظام بنفس توجهاتة وسياساته التي عجز من خلالها عن معالجة قضايا بلادنا من منطلق وطني ودفعها في اوتون تسونامي التدويل الذي ساهم في ادامة الحروب الاهليه وهيمن على مقدرات البلاد وانتقص من استقلالها وعمق من ازمتها الاقتصادية

ان المسار الذي تتخذه التطورات الحالية نحو اعادة انتاج النظام بديكور جديد – قديم فيماعرف      ( بحكومة القاعدة العريضة ) جاء في سياق تبلور موقف امريكي لحل ازمة السلطة الحاكمة وزعامات القوى التقليدية والنخب الجهوية الانتهازيه عبر عنه المبعوث الامريكي الخاص للسودان – براستون ليمان – تضمن ما اعتبره توجهاً جديداً للسياسة الامريكية تجاه النظام الحاكم في اطار قبول التعايش معه واحتوائه (اكد فيه عدم اقتناعه بمسألة اسقاط النظام مشدداً على اهمية الحوار معه وموكداً الحاجة لما اسماه الاطار السياسي الجديد الذي يستوعب تطلعات مختلف مناطق السودان وقواه السودانية في اطار تفاهمات توسع قاعدة المشاركة في السلطة ) لذلك ليس بمستغرب وقد وصلت الرسالة للطرف الاساسي ان يحظى هذا الموقف الامريكي باشادة السلطة الحاكمة إذ جاء على لسان امين حسن عمر وزير الدولة بالقصر (ان الحكومة لن تكل ولم تمل في سبيل تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة ) واضاف (ربما نتنازل لان السياسة هي فن التنازل) واكد انه لايستبعد التطبيع مع امريكا (ولكننا لن نتلهف عليه… باعتبار ان العلاقات الدولية لاتقوم على سلوك اخلاقي وانما تحكمها المصالح) . وفي هذا السياق يمكن فهم موقف زعامات حزبي الاتحادي الاديمقراطي والامة وتكتيكاتهما التي تتصادم مع خيار الانتفاضة الشعبية حيث يدركان حتمية اندلاعها في السودان ولكن يعملان على تفاديها واضعاف ممكناتها بتغليب خيار (التغيير) عبر الحوار مع النظام . بحجة ان الانتفاضة ستكون عنيفة ودموية ..!

ولكي نتفهم خلفية مايجري علينا ان ندرك ان جوهر الصراع السياسي والاجتماعي في بلادنا هو صراع بين ارادتين وتوجهين ارادة وتوجه الجماهير وطلائعها والتي تمثل الاغلبيه المسحوقه بالفقر والاستبداد والتي تريد كرامتها وحريتها واستقلال وطنها ووحدتة وتقدمة وبين ارادة وتوجه السلطة الحاكمة والفئات الاجتماعية المستغله المتحالفه معها التي تريد احتكار السلطة لمصلحتها الطبقيه الضيقة المتناقضة مع مصالح الشعب ، وقد ظلت زعامات القوى التقليدية طوال الحقب الماضية من تاريخنا السياسي بحكم منبتها الاجتماعي وتفكيرها السياسي ومصالحها الاقتصادية مطية للانظمة المستبدة وحليفه للفئات المستغله وتعبر عن نزوعها السلطوي لحماية مصالحها وامتيازاتها في الحكم والمعارضة على السواء بتوجهها الدائم لاقتسام السلطة بين اطرافها المختلفة انطلاقاً من القواسم المشتركة التي تقف عليها (الفكرية – والسياسية – والاقتصادية – والاجتماعية) اذ ليس هناك تناقض او تعارض رئيسي بين توجهاتها ومصالحها فكل طرف يشكل احتياطي وظهير وحليف استراتيجي للاخر يستعين به اينما اقتضت ضرورات الظرف للخروج من مازقه وازماته على طريقة استعانة (المارد الاعمي بالكسيح المبصر لتحقيق ماربه )، مع العلم ان الكسيح المبصر الذي نعنيه هنا يعاني قصر النظر حول كل شى الا فيما يتعلق بمصالحه !!

ان جوهر الازمة الوطنية يكمن في طبيعة السلطة الحاكمة وذهنية وعجز الزعامات التقليدية بميلهما الدائم للمساومه على حساب الشعب وقضاياه حيث اكدت كل التجارب ان هذا النظام لن يغير جلده ولن تفضي اي مساحيق تجميل تضاف له الي تعديل جوهره المعبر عن نهج التسلط والتمكين لفئات الراسماليه الطفيلية وهو ابعد مايكون عن تطلعات شعبنا في صيانة وحدته والحفاظ عل استقلاله وتحقيق حريته وبناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية فهنالك استحاله لحل قضايانا الوطنية في ظل السياسات المعلنه والممارسة لهذا النظام مهما كانت طبيعة الديكور الذي يسعى للتجمل به الامر الذي يدحض اي فرضية على قدرته على تحقيق السلام باطفاء نيران الحروب التي اشعلها في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق في الوقت الذي يعلن الاستمرار على انتهاج الحل الامني في مواجهة قضايا التفاوت الاقتصادي والاجتماعي في اقاليم البلاد المختلفة ويسعى لتعزيز النهج الاقتصادي الذي فاقم الازمات الاقتصادية والمعيشية واشاع الفقر والبطالة والفساد .

ان الخروج من الازمة الوطنية لا يتم بالمساومات والمحاصصه على السلطة وعلى حساب قضايا الشعب والوطن انما يبدا الخروج من الازمة الوطنية بتعميق الفرز في الخنادق بين الشعب وقواه وخياراته وبين السلطة الحاكمة وحلفائها الجدد ويتعمق هذا الفرز باستقطاب التيارات الرافضة للمشاركة في اوساط القوى التقليدية لتقوية ارادة وخيار التغيير على قاعدة ونهج النضال السلمي الديمقراطي  لاستعادة الديمقراطية والتمسك بالثوابت الوطنية في الوحده والاستغلال و اقامة نظام ديمقراطي تعددي يفتح الطريق امام التداول السلمي للسلطة ويحقق العداله الاقتصادية والاجتماعية ويصون الحريات الاساسية ويبني التقدم .