
لمن الانتفاضة؟
بقلم: د. حاتم بابكر
في الوقت الذي يكتب فيه من أختار الشعب وانحاز إلى طريق الانتفاضة الشعبية، واتخذ منه غاية ووسيلة لتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني في العيش والحياة الكريمة، متخذأً من النضال السلمي طريقاً تملأه المتاريس والأشواك وتتخلله المعتقلات والسجون، وتفوح منه رائحة البارود والبنبان وأصوات الطلقات المطاطية والأعيرة النارية الحية التي حصدت الشهداء، وشهداء هبة سبتمبر 2013، ومن قبلهم شهداء رمضان، الأكرم منا جميعاً، في هذا الوقت، يكتبون أن الانتفاضة آتية لا ريب فيها، وأنها أي الانتفاضة آتية لا محال، تجد دعاة التسوية السياسية الشاملة، والحوار السياسي، الذي وأدته إجازة نواب المؤتمر الوطني لقانون انتخاباتهم، مؤخراً، وهم يمنون النفس بخمسية أخرى، وانتخابات عشرينية، تجدهم يكتبون بأن كلمة الانتفاضة (مبتذلة)!
دعاة التسوية مع نظام الحركة الإسلاموية، القتلة والمفسدين، لا يقدمون لها إلا صكوك الغفران، غير آبهين بنضالات ومعاناة الشعب السوداني، وهم يسوغون ويسوقون الأسباب، بأن في ذلك حماية للشعب من الانفلات الأمني، وما حاق بدول وشعوب {الربيع العربي}، ولكنهم لم يغادروا مربعهم الأول منذ اليوم الأول لانقلاب الإنقاذ، بأن الانقاذ تمتلك (الثورية) وهم من يمتكلون (الشرعية).
فهل تضمن التسوية والاتفاقيات المبرمة العيش الكريم والتمتع بالحقوق الدستورية ومجرد حق المواطنة، كحق طبيعي، للمواطن السوداني؟ هل ضمنت أي من الاتفاقيات السابقة، واللاحقة والقادمة، لهذا المواطن توفير لقمة الخبز، والدواء والكساء؟ أم أن الأجندة الذاتية للطرفين وتقاسم كعكة السلطة، هي ما تحكم بنود الاتفاق، أياً كان وبين أي أطراف؟ وهل هي براء عن الأجندة الدولية التي تعبر عن مطامع ومصالح قوى بعينها؟
ولذا، لمن الثورة؟ إذا علمنا بالضرورة لمن التسوية، الثورة فعل جماهيري، ظلت طليعة الجماهير، للقوى الممسكة بخيار الانتفاضة الشعبية، تؤمن به وتطبقه كوسيلة تاريخية، ومجربة وأثبتت علمياً نجاعتها في إسقاط الديكتاتوريات، ظلت تلك القوى كل على حدا ومن خلال تحالفات الحد الأدنى تبشر بالانتفاضة وتدعو لها، ما أن توفرت الظروف المحيطة بمجموعة من الأفراد ارتضوا أن ينتظموا في لجان الحي والسكن والعمل ومواقع الدراسة لتصعيد هذا الفعل اليومي، مع تضافر الظروف الأخرى من غياب للخدمات الأساسية، وتردي ما توفر منها، وندرة السيولة النقدية، والخبز والمحروقات في ظل نظام حكم ديكتاتوري عمل على تمكين منتسبيه ومن شايعهم خلال 3 عقود من الزمان، واجه فيها كل معارضيه بالقتل والسحل والتعذيب، فهل من المؤمل أن يرعوي وينصاع لدعاة التسوية، والهبوط الناعم ودعاوى تفكيك النظام من الداخل؟
من الواضح أن الثورة ليست لصالح منظومة سياسية بعينها، أو حزب أو فئة معينة، وإنما الانتفاضة هي للجماهير، منهم وإليهم طالما تم التوافق على برنامج حد أدنى، وبرنامج انتقالي تمت صياغته، فوثيقة البديل الديمقراطي ما تزال مفتوحة للإضافة والحذف والتعديل متى ما اجتمعت على ذلك إرادة الجماهير المتحفزة على خطى الانتفاضة، وتعتبر مدخل لاسقاط النظام وتفكيك ركائزه.
ولا أرى أي ابتذال في الانتفاض، والاعتراض، والمطالبة بالحقوق واستنهاض الجماهير، ولكنها القوى التي كانت وما زالت احتياطي للرجعية، ولا تختلف مع نظام الحركة الإسلاموية لا في الطرح ولا في البرنامج، ولا حتى في استطلاع المستقبل، لا ترى فكاكاً من الإلتقاء معها في أي وقت، وتحت اي ظروف أو مسمى، طالما أن أهدافها واحدة، وتتقاطع وتختلف مع أهداف وآمال وتطلعات الجماهير الحية في خلق بديل وطني وديمقراطي، يفكك دولة الحزب الواحد، حزب الحركة الإسلاموية، المؤتمر الوطني وأتباعه وأشباهه.
Leave a Reply