ليست للبيع: غ.زة بين ثروات الأرض وقيمتها في السماء

بقلم: طارق عبد اللطيف أبو عكرمة

#آراء_حرة

غ.زة ليست للبيع، لأن ما يُباع ويُشترى لا يمكن أن يكون وطنًا وأمةً، ولا أن يُجسّد معنى الانتماء والكرامة. هذه البقعة الصغيرة على الخريطة ليست مجرد مساحة أرض تحاصرها الأسلاك والأساطيل، ولا مجرد حقل غاز أو شاطئ خصب أو موقع استراتيجي. غ.زة هي جرح الأمة العربية المفتوح وضميرها الحي، هي مقياس نبضها بين الحياة والموت، وهي المحكّ، الذي يُظهر من هو مع الحق ومن يختبئ خلف أقنعة الزيف.

هي أرض تجاوزت في قيمتها حدود الجغرافيا والسياسة، لتصبح رمزًا كونيًا لمعنى الإرادة الحرة. في شوارعها المدمّرة تتكسّر نظريات القوة، التي تقيس الانتصار بعدد الدبابات، وفي أزقتها الضيقة يولد جيل بعد جيل على وعد لا يُشترى ولا يُكسر، وأن الأرض لا تُحرر بالمال، بل بدم أصحابها.

غ.زة، التي أرادها العدوّ الص-هيوني والامب-ريالي خالية من الحياة، تكشف بصلابتها أن الاحتلال الصه-يوني الغاشم لا يخشى فقط صواريخها، بل يخشى أكثر المعنى، الذي تحمله، أن الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع. لهذا تُحاصر وتُقصف، ولهذا يُستهدف صيدها وزرعها وغازها، ليس لمجرد النهب، بل لإفراغها من مقومات البقاء، حتى تُعرض في سوق المساومات كسلعة فقدت روحها.

لكن روح غ.زة ليست للبيع، لأنها مُرتبطة بما هو أعمق من أي صفقة، ترتبط بدماء الشهداء، وبتاريخٍ ممتد من الفتح والمقاومة، وبقدسيةٍ تمنحها السماء حين اختارها الله لتكون أرض الأنبياء وميدان الامتحان الأكبر للأمة العربية الإنسانية.

كل من يظن أن بإمكانه تحويلها إلى (ملف اقتصادي) أو (مشروع إنمائي مشروط) يجهل أن غ.زة لا تعيش بثرواتها الطبيعية فحسب، بل بثروتها الإنسانية، رجال ونساء وأطفال يعرفون أن الموت على العزة أكرم من الحياة على المذلة.

إن الدفاع عن غ.زة اليوم ليس تضامنًا إنسانيًا عابرًا، بل موقفًا وجوديًا يحدد شكل العالم القادم، إما عالم تُشترى فيه الحقوق وتُصادر الإرادات، أو عالم تحرسه دماء الأحرار ويزدهر فيه العدل. ولأن غ.زة هي بوابة هذا الاختيار، فهي ليست ملكًا لأهلها وحدهم، بل أمانة في عنق كل عربي، وكل حر في هذا العالم.

غ.زة تقول لكل من يسمع، يمكنكم أن تحاصروا البحر، لكنكم لن تحاصروا المدّ؛ يمكنكم أن تهدموا البيوت، لكنكم لن تهدموا الذاكرة؛ يمكنكم أن تعرضوا مليارات الدولارات، لكنكم لن تشتروا روحًا وُلدت لتكون حرة.

فلسطين كلها، من بحرها إلى نهرها، ليست للبيع. كل ذرة من ترابها تحمل حقًّا تاريخيًا لا يسقط بالتقادم، ولا يلغيه وعد أو معاهدة أو صفقة. وإذا كانت غ.زة اليوم رأس الرمح في معركة التحرير، فإن القدس والضفة والنقب والجليل وكل شبر من أرض فلسطين هي الجسد الذي يحمله هذا الرمح. قيمة غ.زة هي قيمة فلسطين كلها، أرض مقدسة، وحق ثابت، ووعد أمة لا تعرف الاستسلام. من يساوم على غ.زة يساوم على فلسطين، ومن يتخلى عن فلسطين يتخلى عن شرف الأمة العربية ومستقبلها. لذلك، تبقى فلسطين – وغ.زة في قلبها – عنوانًا للنضال، ورمزًا للتحرر، وتجسيدًا لإرادة أمة قررت أن تنتصر مهما طال الطريق.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.