المستشار القانوني أبوبكر عبد الله آدم ل”الهدف”: 2 من 2

طلب حكومة بورتسودان وقف عمل بعثة تقصي الحقائق تحايل للإفلات من تدابير المساءلة وتحقيق العدالة

#كمال سر الختم_لندن

عبر وزير العدل عن رغبة حكومة بورتسودان في إنهاء بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في  11 أكتوبر 2023 بعد تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم خطيرة بعد اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وحلفاؤها من جهة وقوات الدعم السريع يوم 15 أبريل 2023.

الهدف” تحاور المستشار القانوني والمتخصص في قضايا حقوق الإنسان والمحاكم الجنائية الدولية مولانا أبوبكر عبد الله آدم، لعمل إضاءات حول القرار وعمل لجنة تقصي الحقائق، ودوافع رفض حكومة بورتسودان استمرار عمل اللجنة ومحاولة وضع العراقيل أمام مهامها في إنصاف الضحايا من خلال كشف الحقائق المتعلقة بالجرائم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.

وتستكمل بقية الحوار في الجزء الثاني.

عمل البعثة وإنجازاتها:

كيف تقيم عمل البعثة وهل من نتائج رغم عراقيل حكومة بورتسودان؟

# أبوبكر: منذ تعيين أعضاءها في يناير الماضي عكفت البعثة في جمع وتحليل الأدلة، المادية وغير المادية، عبر المقابلات، إفادات وشهادات الضحايا والناجين وغيرهم، التقارير المقدمة من المنظمات وغيرها من الإفادات والأدلة. بل إن المكتب الإعلامي للبعثة تسلمت عبر بريدها الإلكتروني مئات من الإفادات المكتوبة ورسائل، من أفراد ومنظمات تضمنت أدلة ومعلومات هامة كما تكشف بعض تصريحات أعضاءها.  وبفضل هذه المعلومات قام أعضاء البعثة بتصريحات حول طبيعة الانتهاكات، أزعجت طرفي الحرب، وخاصة القوات المسلحة، التي تقدم نفسها بأنها لم ترتكب أنتهاكات. في 14 أبريل 2025 قالت عضو البعثة، “مني رشماوي”: ” خلصت بعثتنا منذ العام الماضي إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الطرفين إرتكبا جرائم حرب وفي حالة قوات الدعم الس-ريع أيضًا جرائم ضد الإنسانية.”

وفقًا لقرار إنشاءها، على البعثة تقديم تقرير شفهي للدورة 56 لمجلس حقوق الإنسان  في يونيو 2024 ومن ثم تقديم تقرير شامل عن النتائج، التي توصلت إليها لمجلس حقوق الإنسان في دورته 57 في سبتمبر وكذلك تقديم نتائج التحقيقات للجمعية العام للأمم المتحدة في الدورة 79  في أكتوبر من نفس العام.

بعد صدور تقريرها الشامل في سبتمر الماضي كما كان مخطط له، وبعد تمديد مهامها لعام آخر، في يوم 17 يونيو 2025، قدمت البعثة خطابها الشفهي الثاني للدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان. وقال رئيس البعثة في الخطاب ” أجرينا 240 مقابلة، وتلقينا 110 إجابات مكتوبة، وتحققنا من صحة 30 مقطع فيديو، وحددنا المواقع الجغرافية لثماني هجمات، ونقوم بجمع ملفات تحدد هويات جناة محتملين. كما بدأنا تعاونًا سريًا مع هيئات قضائية معينة.”

نتيجة لهذا العمل الكبير، تمكنت البعثة من إيراد بعض الجرائم الدولية، التي ” تعيب جميع الأطراف المشاركة” في الحرب مثل استخدام الأسلحة الثقيلة في الأماكن المأهولة بالسكان، الغارات الجوية والقصف العشوائي، حرق القرى ونهب الممتلكات والهجوم على معسكرات ومخيمات اللاجئين ومجتمعات الكنابي، العنف الانتقامي الواسع لمن ينظر إليهم بأنهم متعاونين،  الاعتقال التعسفي والتعذيب، الإعدامات خارج نطاق القانون، استخدام المدنيين والإغاثات الإنسانية كسلاح، وغيرها من نماذج وردت في تقارير البعثة تفصيلًا، وهي نماذج تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني وقانون الحرب.

كما كشفت عن عملها المشترك مع منظمات إقليمية ودولية لإنجاح مهامها وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. وفي ختام إفادته الشفهية في الشهر المنصرم، حث رئيس البعثة ” جميع الدول على الالتزام بواجباتها القانونية وتنفيذها، لا سيما الامتثال لحظر الأسلحة، الذي فرضته قرار مجلس الأمن 1556 والقرارات اللاحقة ذات الصلة”.

  تصريحات الوزير ومخاوف حكومة الامر الواقع:

برر وزير العدل عن رغبة حكومته بإلغاء مهام البعثة لكون الأمم المتحدة تعاني من شح الموارد ولذا يرى الوزير بأنه من الأفضل استخدام الموارد في الآليات المحلية ما تعليقك؟

# أبوبكر: هذا المبرر في شقه الأول ما هو إلا قولة حق أريد به باطل، أما مرتكزه الثاني ما هو إلا مناورة ومحاولة تحايل للإفلات من تدابير المساءلة وتحقيق العدالة.

صحيح إن الأمم المتحدة تعاني من شح الموارد لأسباب عديدة، ولكن مع ذلك ما زال تحقيق العدالة الدولية من أولوياتها، التي توفر لها الدعم. كما أن  شح الموارد، الذي يقلق السيد وزير العدل أكثر من قلقه من إفلات مرتكبي الجرائم الجسيمة من العقاب، لم يدفع الأمم المتحدة لمطالبة السودان بالمساهمة في مهمة تقصي الحقائق حول الجرائم المستمرة منذ اندلاع الحرب اللعينة يوم 15 أبريل 2023. بدلًا عن التباكي على شح موارد البعثة والأمم المتحدة، بإمكان وزير العدل،  وحكومته، التي فرضت نفسها بحكم الأمر الواقع، أن يقوم بتسهيل مهمة البعثة لتقصي الحقائق بدلًا عن عرقلتها.

لقد عبرت البعثة عن استيائها من هذا السلوك بقول رئيسها بأن من التحديات المستمرة، التي يواجهونها هي ” عدم تمكننا من الوصول إلى السودان وبعض الدول المجاورة رغم تكرار طلباتنا، فقد قمنا ببعثات تحقيق إلى أوغندا وتشاد..” فعلى وزير العدل تسهيل وصول البعثة للضحايا في السودان ودول الجوار الداعمة لحكومته، التي يوجد فيها سودانيون حتمًا سوف تساهم شهاداتهم في تحقيق العدل ودعم الضحايا.

إضافة لما أوردنا أعلاه، نحن نفترض أن وزير العدل، بحكم تكوينه ومتطلبات منصبه، يعلم بأن رئيس البعثة، مولانا محمد شاندي عثمان، وأعضاءها الاثنين، الأستاذة جوي نقوزي ايزيلو المحامي والأستاذة منى رشيماوي المحامي، هم متطوعون ولا يتقاضون أي مرتبات مقابل عملهم لتحقيق العدالة ومنع إفلات منتهكي الجرائم الدولية الخطيرة في السودان من العقاب.

وهم حسب ما جاء في الإحاطة الشفوية الأخيرة  أمام مجلس حقوق الإنسان في يونيو المنصرم ” ممتنون للعديد من السودانيين الناجين وأعضاء منظمات المجتمع المدني على الثقة، التي منحوها لنا (….) عملنا بلا كلل احترامًا لثقتهم فينا ولإيصال أصواتهم للجميع.”. رغم شح موارد الأمانة العامة للبعثة في نيروبي. على سعادة الوزير ان بعلم بأن

هناك قانونيون، يسعون لتحقيق العدل في كل الأمكنة والأزمنة حتى لو لم يكن أي منهم وزيرًا يتزين بقلادة وزارة العدل حتى لو كانت قلادة  مظلمة في ظلمات فوقها ظلمات متراكمة من غياب العدل.

أما المبرر أو المرتكز الثاني لطلب معالي وزير العدل هو مرتكز معوج منطقه الشكلي والموضوعي وهو أكثر من ذلك لكونه مناورة خجولة لتدوير فشل لجان التحقيق الوطنية للتوصل لنتائج تتوافق مع أهدافها والعدالة لأسباب ذاتية وموضوعية.

على مستوى الخلل المنطقي، يبدو جليًا في مطالبة معالي الوزير لدعم الأمم المتحدة، التي تعاني من شح الموارد للجان تحقيق سودانية لتقصي الحقائق حول الجرائم، التي أرتكبت أثناء هذه الحرب اللعينة. كيف يمكن لمنظمة تسجيب لإنهاء مهام أحد أجهزتها، بسبب شح الموارد، بتمويل جهة أخرى بموارد لم تتوفر لأجهزتها الأكثر فعالية في مثل هذه التقصيات حتى إذا افترضنا جدلًا أن هذه الجهة ليست طرفًا في الانتهاكات موضوع التحقيق وهي جهة راغبة وقادرة على تحقيق العدالة في سياق نزاع داخلي؟

تجارب لجان التحقيق السودانية  في الجرائم الجسيمة أثبتت فشلها. وهي كانت محاولات بائسة لدفن الحقيقة.

مثلًا بعد جريمة فض الاعتصام في 3 يونيو 2019، في البدء حاول المجلس العسكري الحاكم آنذاك بالقيام بتحقيقات صورية للتستر على المجرمين، تارة عبر تحقيقات مفوضية حقوق الإنسان الحكومية برئاسة حورية إسماعيل وتارة أخرى عبر لجنة التحقيق، التي كونها النائب العام الأسبق في 27 يوليو 2019 برئاسة فتح الرحمن سعيد، التي خلصت إلى نتائج باهته ومحاولة تخدير العدالة بادعاء اتخاذ إجراءات  ضد ثمانية من كبار ضباط الأمن لم تذكر أسماءهم”. وبعد تكوين السلطة الانتقالية، رئيس الوزراء  عبد الله حمدوك في يوم  20 أكتوبر 2019 بتشكيل لجنة مستقلة برئاسة الأستاذ نبيل أديب المحامي  للتحقيق في فض الاعتصام والأحداث والوقائع، التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين أمام القيادة العامة. رغم تمتعها بصلاحيات واسعة تتجاوز الصلاحيات الممنوحة للجان التحقيق السودانية وفق قانون 1954، إلا أن اللجنة لم تتمكن من تحقيق أي نتائج بل أصبحت موضوع سخرية بين السودانيين. كان من المخطط أن تنهي اللجنة مهامها في مارس 2020 ولكنها حتى اليوم لم تنجز أي عمل ذو أهمية وتلخص كل نجاحها بتصريحات باهته لرئيسها.

يتضح من هذا المثال وأمثلة أخرى عديدة أن تجربتنا مع لجان تقصي الحقائق السودانية بائسة بل ساهمت في الإفلات من العقاب ودعوة وزير العدل لتحويل مواد البعثة للجنة تقصي حقائق وطنية ما هي إلا مناورة جديدة تهدف للإفلات من المحاسبة.

على خلاف اللجان الوطنية، اتسمت اللجان الدولية والأوربية والإقليمة بدور هام في تقصي الحقائق حول الجرائم الجسيمة، التي وقعت في السودان بدليل نتائج أعمالها. على سبيل المثال، لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور، قامت بتوثيق دقيق للانتهاكات الفظيعة، التي وقعت في دارفور في 2022 نتيجة الحرب بين حركات الكفاح المسلحة من جهة والقوات المسلحة وقوات الدعم الس-ريع. بفضل تقريرها وتوصياتها،

أصدر  مجلس الأمن التابع القرار رقم 1593،  في مارس 2005، الذي بموجبه تم إحالةالوضع في إقليم دارفور  إلى المحكمة الجنائية الدولية وهي المرة الأولى، التي يحيل فيها المجلس قضية ما إلى المحكمة. كما أن نتائج تحقيقات اللجان الدولية ساهمت في اتخاذ قرارات بنشر قوات دولية لحماية المدنيين وفرض حظر للتسلح وغيرها من الإجراءات المتعلقة بالمحاسبة وحماية المدنيين.

على منوال سابقاتها، قامت اللجنة الحالية لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، التي سوف تنتهي ولايتها في أكتوبر من هذا العام، بتوثيق دقيق للجرائم والمتهمين بارتكابها. ومن المتوقع أن يتضمن تقريرها المكتوب توثيقًا للجرائم وتوصيات تتعلق بإنصاف الضحايا والمحاسبة.

ما يدفعنا للتفاءل حول المخرجات المحتملة لهذه اللجنة، ليس فقط جديتها ونجاعة أسلوبها في التقصي بل أيضًا المهنية المشهودة لرئيسها وأعضاءها. رئيس اللجنة كان قاضي.

محمد شاندي عثمان كان رئيس المحكمة العليا في تنزانيا بين 2010 و 2017 قبل أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتكليفه بفحص المعلومات الجديدة المتعلقة بوفاة داغ همرشولد ألأمين العام الثاني للأمم المتحدة، “داغ همرشولد واخرون عام 1961”.  كما شغل مناصب مهمة في المحكمة الجنائية الدولي ولجان تحقيق دولية عديدة. كما أن الخبرات العملية لعضوي البعثة، لا تقل عن خبرات رئيسها، سواء تعلق الأمر بخبرات في مجال تقصي الحقائق أو مناصب هامة في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.