
نبيل الزعبي – لبنان
ثمة مفارقة عجائبية لم يفطن إليها أولئك السُذَّج، الذين دفعت بهم مواقفهم الغرائزية إلى الانصياع نحو ما يحرِّض عليه كل من يهدّد نسيجنا القومي والوطني بالتقسيم والانفصال عن وحدته وتماسكه من خلال الاستعانة بالخارج ولا سيّما العدو الصه-يوني ؛
إلا سألت نفسك أيها ” الجهبذ”المسلوب الإرادة والعقل :
كيف أن كل دول والكيانات في العالم ، كبرت أم صغرت ، لا هدفًا استراتيجيًا لها سوى الاندماج في الوحدة، فيدراليةً كانت أم كونفيدراليةً ، لأنها لاتجد مستقبلها ومصالحها الاقتصادية إلا في هذا الاندماج بالرغم من كل ما شهده ماضيها من صراعات سياسية وأمنية وعسكرية على مدى سنوات وعقود ولنا في وجود الاتحاد الأوروبي المُنشَأ حديثًا مِثالًا حيًا، كيف للأمم أن تتناسى الماضي عندما يتلاشى تهديد القوي للضعيف فيها فتسعى للعيش بأمان الحاضر وتفتش عن المستقبل الأفضل لأبنائها وتجاوز ” حدود الدم ” التي ، لطالما طبعت بها تاريخها وصراعاتها البينية وفيهم الألماني والفرنسي والبريطاني والإسباني والإيطالي والبرتغالي ومن لكلًّ منهم قوميته ولغته وثقافته بعكسنا نحن العرب، الذين تجمعنا القومية واللغة والتاريخ والجغرافيا والثقافة والمصلحة المشتركة وعلى أرضنا اُنزْلَت كل الأديان السماوية، التي تشكل السقف الروحي للفكر والمُعتقَد على هذه الأرض الطيبة وممنوعُّ علينا أن نفكّر بذلك قبل أن نستنفر كل قوانا الذاتية له .
باستثناء وطننا العربي وأقطارنا، التي فرضها عليها سايكس – بيكو نجد أنفسنا اليوم أمام أشباه مثقفين يحملون صفة، أكاديمي، قذفت بهم الأقدار السيئة على بلادنا وفتحت لهم الفضائيات الرثة هواءها ليتطاولوا على الفكر القومي العربي ليروّجوا لأفكار تقسيمية لا تنطبق سوى على أزقّة ودساكر لا ترتقي في مجموعها إلى مستوى البلدة بغية تحويلها إلى ما يشبه الكانتونات المغلقة، التي لا تملك من الرئتين ما يؤمن لها القدرة، حتى على استجلاب التنفُّس الاصطناعي من جوانبها ذات اليمين واليسار، إلا فيما ستكون مهيّأة له كإدارةٍ ذاتيةٍ ملحقة بالكيان الصه-يوني الرابض على أرض هذا الوطن وكأن هؤلاء “المنظِّرون” الجدد لم يتعلموا بعد من تجربة الكانتون الحدّادي -اللحدي العميل على أرض الجنوب اللبناني يومًا ما، وتخلى عنه مشغلّيه دون أن يحسبوا أي مصيرٍ أسود سيلحق بالعملاء المرتبطين بهم وكم ستتسع بؤر الخيانة لهم .
يريدوننا اليوم أن نترحّم على الثنائي سايكس- بيكو بعد أن سدُّوا أمامنا كل الخيارات المفتوحة ولم يتركوا سوى خيارًا واحدًا لا ثاني له ؛ أن نقبل بتقسيمنا إلى قطعٍ متقاطعة متناثرة من الأراضي المحكومة بأقليات تركت ماضيها وتراثها جانبًا لتعود مئات السنين إلى الوراء مفتشةً عن كل ما يستدرج رياح الفتنة إلى بلادنا دون أن تتَّعظ أو تستفيد من تجارب الماضي، التي لم تجر ّعلينا سوى المزيد من الهزائم والخيبات وهي تُغرِق نفسها
في كل هذه الأحقاد المخفية، التي انفجرت مؤخرًا دفعةً واحدةً دون أي تمييز بين مثقف وأبله محدود الذكاء تجمع بينهما غرائز مكبوتة لا تخفي كراهيتها للآخر ًولتقفز على كل ما صار “تكاذبًا” في تدبيج مجاملات الأخوّة والتسامح، التي سقطت كلها أمام حظيرة القطيع، التي يتساوى فيها العاقل والمعتوه، العاجز عن كبح كل تأجيج طائفي، ومن ينفخ في نار الفتنة، وليس غير الرؤوس الحامية فيها من يعتلي الخطاب الفتنوي التحريضي على حساب العقل والمنطق والموقف المسؤول .
ويبقى السؤال المشروع في هذه اللحظات المصيرية، التي نحتاج فيها إلى وأد أية نُذُرٍ مستجدَّة للفتنة بقدر ما هو مطلوب من الجميع الكف عن نكأ جراح الماضي :
لمصلحة من كل هذا التطاول والتجريح بالعروبة ورموز الفكر القومي العربي على أيدي من قذفت بهم مجاري الفدرلة ليطرح “متصعلك” حديث، نفسه ندًّا لمفكرين وقادة كبار تركوا بصماتهم، التي لم تزل راسخة في تاريخنا العربي الحديث والمِعاصِر ، هل لأن هؤلاء ما رأوا في العروبة سوى السقف الجامع، الذي يتفيّأ تحته المواطن إلى أيٍّ من النواحي القطرية والدينية والعشائرية انتمى، أم أن المطلوب تغليب المذهب على الأديان، والعشيرة على الدولة والتفلُّت والفوضى على الأمن القومي العربي والجزء على المجموع والتطبيع مع العدو الص-هيوني على حساب الوشائج والتاريخ والدم العربي الطاهر المُسَال على أرض غزة وتضوُّر شعب بأكمله تحت معاناة التجويع والعطش فيشغلوننا اليوم بما يجري على أرض جبل العرب في سوريا كي تبقى أنظارنا مشدودةً إلى داحس وغبراء جديدة وغرائز متراكمة من الجهل والكراهية عبّر عنها الشاعر العربي قبل رسالة الإسلام عمرو بن كلثوم بقوله :
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا
فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا.
وكما أن كل ذلك يتطلب موقفًا وطنيًا متقدّمًا يفوّت على العدو الص-هيوني استغلال ما حدث في السويداء من أجل المزيد من توسّعاته الاستيطانية ولا سيّما ما يُحكى عن ما سُمِّي ب” ممر داوود” الذي يحتاج إلى وقفة عربية واحدة لما يشكّله من تهديد استراتيجي للأمن الاقتصادي العربي ، فإن الإدارة السياسية الجديدة الحاكمة في سوريا مطالبةً بالتحقُّق في كل ما حدث من تجاوزات عسكرية أودت بالمزيد من الضحايا وتعقيد الأزمة مع أهالي جبل العرب بدل معالجتها وهذا ما عزمت عليه القيادة السورية مؤخرًا كخطوة أساسية مطلوبة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية أولًا وتعزيز الآمال المعقودة على الحكم الجديد وينعم الشعب السوري بالحرية والديموقراطية، التي افتقدها لأكثر من خمسة عقودٍ من الزمن .
Leave a Reply