
بسم الله الرحمن الرحیم
التجمع الدیمقراطي لأساتذة الجامعات والمعاھد العلیا
السودانیة
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الانفال: 27)
إننا في التجمع الدیمقراطي لأساتذة الجامعات والمعاھد العلیا السودانیة، وإذ نقف ضد الحرب المدمّرة التي اندلعت منذ (أبریل)
2023 نُجدّد إدانتنا المبدئیة والقاطعة لھا، وندین طرفیھا دون مواربة، لما تسبّبوا فیه من تشریدٍ قاسٍ للمواطنین، ونزوحٍ جماعيّ غیر مسبوق، وتفككٍ في النسیج الاجتماعي الوطني، ودمارٍ للبنیة التحتیة في كافة أقالیم السودان. إن ھذه الحرب لا تعبّر عن
آمال الثورة السودانیة المجیدة في دیسمبر، بل تمثّل خیانةً صارخة لھا، وارتدادًا عن مشروع بناء الدولة المدنیة الدیمقراطیة. لقد أصبح استمرار الحیاة الیومیة للمواطنین، بما في ذلك أبسط الحقوق — كالتعلیم الجامعي — مرھونًا بوقف الحرب، بعد أن توزعت البلاد بین سلطات متحاربة لا تُقیم اعتبارًا لوحدة الأرض أو مصیر الشعب.
نُلفت الانتباه إلى أن غیاب أي ضمانات لاستمراریة التعلیم الجامعي یھدد وجودیاً لیس فقط مستقبل الطلاب وأعضاء ھیئة
التدریس، بل یضرب العمود الفقري لأي مشروع وطني لإعادة البناء بعد توقف الحرب. بالتالي إن مؤسسات الخدمة المدنیة، وفي قلبھا الجامعات، تمثّل الأمل الحقیقي لبناء السودان ما بعد الحرب. وھي تحتاج لحمایة عاجلة من التسییس، والتجویع، والتدمیر الممنھج. ومن ھذا المنبر، نُؤكد أن الجامعة لیست طرفًا في الصراع، بل ھي الضامن لما تبقى من العقل، والركیزة
لإعادة الإعمار الفكري والاجتماعي والاقتصادي.
كما نرى أن صیغ التعلیم المرنة — كالتعلیم عن بُعد — قد تمثل مخرجًا مرحلیًا، في ظل تعذّر العودة الآمنة للجامعات، ما لم تتوفر بیئة مؤسسیة تضمن الرواتب، وتحترم حق الأستاذ في أداء رسالته بعیدًا عن مزاج السیاسة والحرب.
یدعو التجمع بوضوح إلى الوقف الفوري للحرب، والشروع في معالجة شاملة لنتائجھا، وتھیئة الطریق لعودة الحكم المدني
الانتقالي، والدیمقراطي، الذي یُعید للجامعة مكانتھا، ویضع الأستاذ في مقامه اللائق، لا بوصفه موظفًا، بل بوصفه صانع أمل وناقل وعي وباني دولة.
أیھا العقلاء، أیھا الأحرار، أیھا الحریصون على كرامة الإنسان وقیمة المعرفة: في اللحظة التي تتفكك فیھا القیم، وتنھار فیھا مؤسسات الدولة تحت وطأة حربٍ بلا أفق، یُسجَّل مشھدٌ بالغ الخطورة: تجویع العقول، وإذلال المعلمین، والتنكیل بأصحاب الكلمة الحرة .لقد باتت الجامعات — معاقل النور ومصانع الوعي — ھدفًا مباشرًا في حربٍ تُدار بوعي تدمیري ضد ما تبقى من معنى ومؤسسة وھویة.
إن إیقاف رواتب الأساتذة الجامعیین لا یمكن فھمه كإجراءٍ مالي أو تنظیمي، بل یجب قراءتھ كجریمةٍ ضد الكیان الرمزي الذي تمثله الجامعة، ضد العقل العام، وضد الفضاء المشترك الذي ترتكز علیه فكرة الوطن.
الأستاذ الجامعي لیس رقماً في ھیكلٍ وظیفي، بل ھو الوسیط الحضاري بین الذاكرة والتجدد، بین التراث والتجاوز، بین الفوضى والمعنى. حین تُھدَر كرامته، یُھدَر الوطن في بُعده الأخلاقي والرمزي.
ما وقع في جامعات الجزیرة، وادي النیل، غرب كردفان، الإمام المھدي، والضعین، لیس استثناء،ً بل ھو دلیل على:
– تفكیك مؤسسات العقل لصالح مؤسسات الولاء.
– استخدام الجوع وسیلةً لتدجین النخبة.
– تھشیم الرأسمال المعنوي للمعلم والمفكر، في سیاقٍ ھو أقرب إلى الإذلال الممنھج منه إلى الإدارة المدنیة.
إن ما یحدث الیوم یُثبت بشكل قاطع الحاجة إلى إعادة بناء السیاسة على أسس عضویة، تنبع من الواقع، وتُراعي حساسیة السیاق
الاجتماعي والمعرفي. فـالسیاسة العضویة لا تنفصل عن المجتمع، ولا ترى في التعلیم مجرد أداة للضبط، بل تعتبره عمودًا فِقَریًا
للھویة الوطنیة الجامعة.
كما نُدین بشدة ما جرى في جامعة غرب كردفان، حیث أصدر مدیر الجامعة خطابًا رسمیًا مُوجّھًا إلى مدیر الإدارة المالیة،
استنادًا إلى توجیه صادر عن وزیر التعلیم العالي، وھو أمر مخالف للقانون واللوائح المنظمة للتعلیم العالي والجامعات في
السودان. إذ إن وزیر التعلیم العالي لا یملك ــ قانونًا ــ أي سلطة تنفیذیة مباشرة تمكّنھ من إصدار قرارات بالفصل، أو التوقیف،
أو اتخاذ أي إجراء إداري تجاه أعضاء الھیئة التدریسیة أو الإداریین في الجامعات، كما لا یحق لھ التدخل في صلاحیات مجلس
الجامعة أو سلطات الإدارة الجامعیة المستقلة .ونُذكّر أن احترام استقلالیة الجامعة ھو من صمیم قیم الحكم الراشد، وأيّ تدخل من ھذا النوع یُعدّ سابقة خطیرة وخرقًا فاضحًا لاستقلال مؤسسات التعلیم العالي، یجب التراجع عنه فورًا.
ولذلك، فإن الاعتداء على الأستاذ الجامعي في زمن الحرب ھو:
– اعتداء على البنیة التحتیة للسیادة، لأن السیادة لا تُبنى بالسلاح، بل بالعقل.
– تمزیق للعقد الاجتماعي، حیث یتحول التعلیم من حقٍّ عام إلى امتیازٍ یُمنح أو یُمنع.
– تشویه لدور الجامعة، التي تتحول من محرابٍ للحریة إلى جھازٍ بیروقراطي یُدار بالانتقام.
نحن أمام انحراف جوھري عن دور الجامعة كما رسمه الفلاسفة والمصلحون. فكیف نبرر إذلال الأستاذ الجامعي، وحرمانه من حقه في العیش الكریم، لأنه عبّر عن رأیه أو تواجد في جغرافیا تخالف مزاج السلطة؟ ھذا السلوك لیس من طبائع الدول، بل من طبائع الاحتلال. إنه:
– خیانةٌ لمفھوم الرسالة التعلیمیة، بتحویل الجامعة إلى كیانٍ إداري بلا روح.
– خیانةٌ للمجتمع، لأن عندما یُھان الأستاذ أمام طلابھ، یُربّى جیلٌ على الطأطأة لا التفكیر.
– خیانةٌ للتاریخ، لأن ما یُرتكب الآن لن یُنسى، وستكتب الأجیال أن النخبة تم تجویعھا، لا لتخطئ، بل لأنھا فكرت.
مطالبنا الجوھریة تتمثل في:
1 . الإلغاء الفوري وغیر المشروط لقرارات إیقاف الرواتب والتمییز المالي بحق الأساتذة.
2 . فتح تحقیق مستقل (محلي أو دولي) حول الانتھاكات التي تعرّض لھا أساتذة الجامعات.
3 . سنّ قانون یجرّم توظیف المؤسسات التعلیمیة في النزاعات السیاسیة.
4 . المحافظة والعمل على تحقیق الاستقلال المالي والإداري وفقا للنظام الأساسي للجامعات.
5 . محاسبة كل مسؤول تورّط في إصدار قرارات عقابیة بدوافع سیاسیة.
نحن لا نخوض معركة رواتب، بل معركة قیم . إن من یُصادر حریة المعلم، یُطفئ آخر شموع الخلاص في زمن الظلمة.
– إلى زملائنا الأساتذة: لا تصمتوا، فالحیاد في زمن المذلة خیانة؛
– إلى طلابنا: إن الدفاع عن أساتذتكم دفاع عن مصیركم، ومستقبلكم، وشخصیتكم المدنیة.
– إلى المنظمات الحقوقیة المحلیة والدولیة: ھذه لحظة اختبار ضمیر، فكونوا على مستوى الإنسانیة لا البیروقراطیة.
– إلى المجتمع السوداني: لا تتركوا من یُربّي أبناءكم رھینةً لمزاج سیاسي أو حسابات حرب لا تُنتج إلا الدمار.
#لا_لقهر_الاساتذة
#لا_للحرب_نعم_للسلام
يُبنى بالعدل والمعرفة
#الاساتذة حراس العقل_ والمعرفة ليست سلعة تُصادر
# إيقاف الرواتب جريمة_ والحرب على التعليم بداية دمار الامة
# يدٌ تمحو الرواتب _ويدٌ تُزهق الارواح_ كلتاهما تقتل المستقبل
# الحرب تدميرٌ للجسد_ وقهر الاساتذة تدميرٌ للروح
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا) (الشرح: 5–6)
التجمع الدیمقراطي لأساتذة الجامعات والمعاھد العلیا السودانیة
یولیو 2025
Leave a Reply