نعي العَلّامة الأستاذ الدكتور يحَي الراوي

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾

                                                                       صدق الله العظيم

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ينعى مكتب الثقافة والإعلام القومي علَمًا بارزًا من علماء العراق والأمة العربية، وأحد القامات الأكاديمية فيها، الأستاذ الدكتور يحيى توفيق محمد سعيد الراوي الرفاعي، الذي غادرنا أمس إلى رب كريم في إحدى مستشفيات العاصمة الأردنية عمان. وبهذا اليوم ودعت جامعات العراق والوطن العربي أحد أعمدة الوسط الأكاديمي فيها، مؤسِّسًا ورئيسًا للعديد منها. ومجاهدًا من خلال مسيرته العلمية، التي امتدت لأكثر من أربعين عامًا  للارتقاء بها وبالعمل العلمي، والبحث الرصين فيها إلى آفاق رحبة، تاركًا الأثر الكبير والبصمات القوية في كل جامعة عمل فيها.

ولد المرحوم الأستاذ الدكتور يحيى الراوي عام 1942 لعائلة عريقة يعود أصلها إلى مدينة راوة غرب العراق. وأكمل دراسته في بغداد وكان من أوائل المتفوقين حيث حصل على شهادة البكالوريوس في تخصص الجيولوجيا – فيزياء من كلية العلوم بجامعة بغداد عام 1962. وابتُعث إلى الولايات المتحدة فنال شهادة الدكتوراة في الجيولوجيا ( علم الأرض) من جامعة بيركلي في ولاية كاليفورنيا عام 1969.  ليعود بعدها إلى العراق حاملًا معه رؤية جديدة للعلم

وخطط تطويره من خلال البحث والتدريس وتوجيهما الوجهة الصحيحة لخدمة العراق والوطن العربي.

عُرِف الأستاذ الدكتور يحي بخلقه الرفيع، وبصدقه وامانته العلمية، وبحبه للعمل، وبالإخلاص والتفاني فيه،  فعلَّم طلابَه من خلال تلك الخصال، كيف يكون حب الوطن.  فكان نتيجة لاجتماع كل تلك الخصال فيه، قدوة ذهبية، ليس لتلامذته وحسب، وإنما لكل زملائه من التدريسيين والباحثين ولكل من تعامل وعمل معه في مسيرته الزاخرة.

وعلى صعيد العمل الأكاديمي والبحث العلمي تميّز تفكيره برؤاه وخططه ذات الآفاق الاستراتيجية، وبضرورة توجيه الدراسات لخدمة وتطوير الواقع المحلي والعربي. وكانت أبحاثه الغزيرة في الجيولوجيا ولا سيما في تخصص علم الصخور والمعادن. وعند تطور الاهتمام العالمي بعلوم البيئة، توسع في هذا المجال فركّز في أبحاثه ودراساته ورسائل الدراسات العليا، التي أشرف عليها على دراسة  تلوث التربة والأنهار العراقية بمخرجات الصناعات المحلية، مؤشرًا أهم وسائل الحد منها، وواضعًا الأسس العملية لحماية البيئة العراقية. فأثرى المكتبة العربية والمؤسسات التطبيقية ذات العلاقة بنتائج تلك الأبحاث والدراسات.

ونتيجة لعمق شخصيته وعمله الدؤوب وعلمه الغزير،  شغل العلامة الأستاذ الدكتور الراوي مواقع أكاديمية مرموقة فاختير رئيسًا لقسم الجيولوجيا بجامعة بغداد للفترة (1975-1981) ثم رئيسًا لجامعة الكوفة (1987-1992)،  ورئيسًا لجامعة بابل، التي شهدت في عهده نهضة علمية كبيرة، ثم رئيسًا للجامعة المستنصرية (2001)  .

وعندما عمل مستشارًا لوزير التعليم العالي،  كان قمّة شامخة يشار لها بالبنان في الأمانة والدقة والحرص على الأداء الجامعي، حريصًا على خلق جامعات عراقية وعربيّة رصينة في أدائها ومخرجاتها العلمية والتربوية والبحثية.

وبعد مغادرته العراق استمر في عطائه الأكاديمي الزاخر ليشغل منصب نائب رئيس (الجامعة الخليجية) للشؤون العلمية في البحرين متممًا مسيرته الشامخة على الصعيد العربي .

وإلى جانب المسؤوليات، التي تولاها، ترك العلامة الأستاذ الدكتور الراوي إرثًا علميًا غنيًا تمثل في مؤلفاته وبحوثه المتميزة، التي نُشِرَت في مجلات علمية رصينة عراقية وعالمية. كما كان عضوًا فاعلًا في جمعيات علمية تشكِّل الصدارة على الصعيد العالمي، إضافة إلى إسهامه في تطوير المجلة العراقية للجيولوجيا والتعدين.

إن هذه السيرة العلمية والتربوية الناصعة والجهود الحثيثة الممتدة إلى أكثر  من أربعة عقود، ساهمت بشكل فعال في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي على الصعيدين المحلي والعربي.

نسأل الله تعالى للأستاذ الدكتور يحيى الراوي الرحمة والغفران،  وأن يجعل أمانته وجهوده وخدمته لبلده وأمته في ميزان حسناته، ويجازيه عنها خير الجزاء، ويجعل مثواه الجنة مع الأبرار والشهداء والصالحين، ويلهم أهله وذويه ومحبيه وزملاءه وطلابه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

مكتب الثقافة والإعلام القومي

2025/7/25

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.