
بقلم: النزير علي عبد المجيد
#ملف_الهدف_الثقافي
أحدثكم عن شبيهة زرقاء اليمامة في خوفها على قومها، وصنوة أسماء بنت أبي بكر في حرصها على عقيدتها، وهي تضاهي جميلة بوحيرد في وطنيتها، إنها رابحة بنت حسن الكنانية، أو رابحة بنت علي ﻭﺩ ﻣﺮﻋﻲ الكنانية، حسب ما أورد المؤرخ اللبناني نعوم شقير في كتابه “تاريخ السودان”.
أما قبيلتها فهي “كنانة”، وهي من القبائل العربية العدنانية، تنسب إلى جدها كنانة ابن خزيمة، أقرب الناس نسبًا إلى قريش، دخلوا السودان في القرن الثامن الهجري، واستقروا في مناطق واسعة في السودان، في الجزيرة، وفي النيل الأبيض، وفي البطانة، وجنوب كردفان.
في الثامن عشر من ديسمبر عام 1881م هاجر الإمام المهدي من الجزيرة أبا إلى قدير، مترقبًا رد فعل المستعمر بعد انتصاراته في الجزيرة أبا، وفي ذات التوقيت أقدم راشد بك أيمن، مدير مديرية فشودة على حشد قواته للقضاء على المهدي وثورته، عسكر راشد بالقرب من جبل “فنقر”، موطن قبيلة كنانة” وأصدر تعليماته بمنع التجوال أو الخروج من المدينة خشية التواصل مع المهدي وأتباعه.
لكن رابحة بت حسن تحدّت الأوامر، وخرجت في جنح الليل، دون زاد أو ماء، وبلا دليل، في بيئة جبلية وعرة وموحشة، تسكنها الحيوانات المفترسة.. كانت المسافة إلى قدير تقدّر بمائة وعشرية كيلو متر، قطعتها رابحة وهي تعد وتارة وتمشي تارة، وهي تنشد:
“أرح هوي أرح.. نسيرو للمهدي في قديرو”..
وصلت رابحة بعد مجاهدة إلى قدير بعد صلاة الصبح، وارتمت منهكة خائرة القوى عند مدخل المعسكر في جبل قدير، وجدت المهدي قائما عندما انتهي من صلاته قالت له: اسمي رابحة بنت مرعي الكنانية، اتيت من بيتي في جبل كاز جريًا عند قدوم رسول من الترك يقول، إن قدوم جيشهم إليك يجب ان يبقي سراً، وقد توعدوا كل من يفشي سره إليك. ثم حكت للإمام المهدي ما كان من أمر حملة العدو، واهتم المهدي لخبرها أيما اهتمام، فعدّل من خطته وأعد العدة وفاجأ جيش العدو في يوم السبت الثلاثين من ديسمبر 1881 م وأمام غابة مراج سحقت قوات المهدي قوة راشد أيمن باشا المكونة من سبعمائة جندي وألف مرتزق، وقتلت قائدها وضباطه وأوقع به هزيمة نكراء، وكان انتصارًا عظيمًا، وفتحًا غنم منه المهدي غنائم كبيرة على المستويين المادي والمعنوي، كانت سببًا في ما حققه من انتصارات لاحقة، وكان ولم يزل فعل رابحة الكنانية سببًا مباشرًا في الانتصار الذي تحقق، بعد ما قامت به من عمل يوازي كتيبة استطلاع كاملة بلغة الحرب.
Leave a Reply