
مفهوم القائد في فكرالقائد صدام حسين
تساءل الرفيق القائد صدام حسين ذات مرة قائلاً : (( هل تحتاج الأمم دائماً إلى قادة ؟ وهل بإمكان الأمم في كل مراحلها أن تنجب قادة ؟ (…) فالاتحاد السوفيتي – آنذاك – ليس في حاجة إلى قائد الآن كما كان في حاجة إليه قبل أربعين سنة مثلاً ، إذ أن بإمكان الحاكم المخلص المقتدر فنياً أن يدير الاتحاد السوفيتي الآن ، أي قبل تفككه )) ..
ولابد من أن هذه الخواص نفسها لم تكن كافية وحدها لأن تحول الاتحاد السوفيتي إلى دولة عظمى قبل أربعين سنة مثلاً ، لأنها كانت في ذلك الوقت بحاجة إلى قائد ، وليس المقصود بالقائد في هذا الوصف على أساس أن يكون فردياً في قراراته وإنما المقصود بالشخص الأول أو الأساس في النظام الذي يأخذ على عاتقه مسؤولية غير اعتيادية إنهاض وبناء المجتمع والدولة . وتكون مسئوليته قيادية وغيـر اعتيادية حتى داخل القيـادة الجماعـية (3) .
إن القائد تحتاج إليه أمة يكون قادراً فيها على أن يقلب الحال من صورة إلى صورة أخرى من صورة مزرية ومتخلفة إلى صورة جديدة مشرقة ، من مجتمع مضطرب ومهزوز إلى مجتمع متماسـك ومستقر ، من حالة المأزق إلى حالة الانفراج والانطلاق إلى أفق أو آفاق تاريخية جديــــدة .
فالقائـد هو الإنسان الذي يكون رأس القيادة الجماعية ويحتل دوراً تاريخياً فيها وفي المجتمع ، ومع ذلك فلكل دولة ولكل نظام تعريفهما للقائد الذي يناسب نظامهما وتقاليدهما ، وهكذا فإن القائد من وجهة نظرنا (( هو الإنسان الذي يحتل ضمن القيـادة الجماعية ثقلاً خاصاً ويحتل ضمن المرحلة مكانة تاريخية وتكون أعماله أعمالاً ذات مدى وتأثير تاريخي لا ينحصر في آثاره الإيجابية بمرحلة زمنية قصيرة وإنما يمتد بتأثيره الفعال إلى ما بعد غياب القائد التاريخي عن الحياة وتكون مرحلة بارزة في السجل التاريخي للأمم والشعوب ، وتؤدي دوراً حاسماً في تغيير حياة الشعب من حالـة إلى أخـرى ونقلـة من مرحلة إلى أخرى متقدمة )) (4) .
فهو بشكل عام الحالة أو المجموعة التي فيها رأس متميز ، ليس رأساً إدارياً فحسب ، وإنما رأس مفكر ومبدع وقائد يناقش كأحد الجماعة ويسمع كأصغر واحد في الجماعة ولكنه يقرر بصورة متميزة في التفكير وممارسة المسؤولية ضمن أسس القيادة الجماعية . وعلى هذا الأساس فليس مجموع القيادة الجماعية بإمكانها أن تقرر بمعزل عن القائد ، كما ليس من الصحيح أن يقرر القائد بمعزل عن القيادة الجماعية حيثما توفرت الفرصة لأن تمارس القيادة الجماعية دورها في القـرار ، ولا يجـوز في كل الأحـوال أن يقرر بعيداً عن روح القيادة الجماعية ومنطلقاتها العامـــــة (1) .
فما هي إذن ، صفات القائد ؟ يقول الرفيق القائد صدام حسين : (( إن القائد الناجح ليس هو القائد الذي يجيد استخدام سلاحه الشخصي في إصابة الهدف بصورة صحيحة وبشجاعة أو الذي يستخدم إحدى وحدات فرقته أو تشكيلاته استخداماً مباشراً بصورة صحيحة ، وإنما هو الذي يجعل كل البنادق والعقول والسواعد وكل الوحدات والتشكيلات تعمل في التفاعل بصورة صحيحة وباتجاه هدف واحد من أجل النصر ، إن القائد الجيد ليس ذلك الذي يصنع النصر عندما تتوفر له الإمكانات التي يتمناها بل هو ذلك الذي يصنع النصر بالإمكانات المتوفرة له فعلاً ، أو التي يمكن توفيرها ضمن الظروف المتاحة )) (2) .
إن أول ما نريد أن نلمسه في القائد الجديد هو أنه اشتراكي ، ابن الشعب ، ابن الفقراء ونصيرهم يعمل من أجلهم ويعيشون دائماً في ضميره وسلوكه وكل إجراءاته وأن يرى الآخرين من خلال هؤلاء مثلما يرى الشعب من خلاله الأمة(3)
فالقادة طريقهم الوحيد للوصول هو الشعب وتضحياتهم الاستثنائية وإخلاصهم الدائم ومبادراتهم المستمرة ، لذلك فإن ولادة القائد هي ولادة تاريخية مرتبطة بظروف خاصة ، وبواجبات خاصة وبعمل حقيقي من نوع خاص وليست ولادة اعتيادية ومصطنعة كولادة الحكام ، هم الناس الذين يرون الشعب دائماً في بصيرتهم وفي عيونهم ، ويعرفون من أي شيء يعاني ، ويقرون بالجانب النقدي الصائب ، ويسعون دائماً إلى أن يكسبوا رضا الشعب ، لا لكي ينتخبهم بالطريقة البرلمانية ، كما يجري في بعض الدول ، وإنما من أجل المبادئ التي تحقق للشعب العدل والمسـاواة والسعادة أي أن القائد يجب أن لا يسعى لأن يكسب الشعب كسباً مصطنعاً أو آنياً ، من أجل أن يمرر هدفاً ما ، ضمن مرحلة معينة ، أو يجتاز محنة ، وإنما يجب أن تكون مسألة كسب الشعب ، مسألة صميمية في تفكيره وإيمانه وعمله (4) .
ويقول : (( هناك فرق بين القائد والمغامر ، ذلك لأن القائد هو ابن الواقع وهو ابن الموضوعية ولكنه ليس عبدها ، ولكنه سيدها بالارتقاء والتغيير النوعي المتقدم ، إذن ، فهو الذي يرى ويفهم الواقع والظروف الموضوعية ، ولا طفر من فوقها أو يتجاهلها ، كما يفعل المغامر ، وإنما يعيد صياغتها ويضعها في إطار جديد ، تكون فيه قادرة على أن تحفز الروح والهمم في العمل إلى أمام ، بدلاً من تثبيطها ، وبذلك يضيف إمكانات جديدة إلى الإمكانات المرئية بمجرد إعادة صياغة الواقع بفعله المبدع القيادي وبذلك يضمن القائد تحقيق نتائج تاريخية ، والمغامر قد يضمن نتائج معينة ولكنها مجتزأة عن سياقات التطور العام ، إن لم تكن مناقضة له أحياناً ، نتائج ميدانية صغيرة ، نتائج زمنية صغيرة ، قد تعقبها كل حالات الكبوات أو الكوارث المحتملة أو الممكنة )) (1) .
وأهم مستلزمات إعادة الثقة بالنفس وإعادة الثقة بين القائد أو الحاكم وبين الشعب تنفيذ الوعود بدقة (2) … وإحدى أهم صفات القائد هي الحكمة والقدرة على استخراج الحلول ممكنة التطبيق للمعضلات المعقدة (3) .. وكلما تعقدت الظروف لابد من أن يبرز القائد بهذه الخواص أكثر فأكثر .. وقد لا يظهر القائد غضبه حتى تجاه ما يستوجب الغضب إلا بعد أن يمر الزمن الذي لا يستوجب أن يظهر غضبه على وفق تقدير خاص ، (…) لأن إظهار الغضب في ذلك الزمن قد يؤدي إلى نتائج عكسية ، وهكذا فإن القائد يضطر أحياناً إلى أن يؤجل غضبه إلى أن يمر ألم المخاض (4) .
إن القائد الجيد ليس الذي يتبع السياقات الصحيحة التي تعلمها فحسب ، وإنما هو الذي تكون له سياقات جديدة ، تضاف إلى السياقات الأخرى أيضاً ، إذا لم تكن تلك السياقات مناقضة بمنهجها العام روح السياقات العامة التي تعلمها ، ولكنها لا تفترض التطابق التفصيلي دائماً وأبداً ، إلا أنها ينبغي أن تكون دائماً مستجيبة بروحها وبحلولها للواقع الحيّ ، للواقع الحيّ المتحرك ما دمنا أمام واقع حيّ ومتحرك (5) . وإن من صفات القادة أن يستقرئوا النتائج بالفكر قبل أن يلمسوا النتائج باليد لأنهم أكثر من الآخرين مطالبون بأن يكون عندهم خيال خصب لتصور الحالة المحتملة من حصيلة التفاعل بين ربط الظواهر والمعلومات والاستقراء المتجدد . إن القائد المبدع مطالب بأن يكون مصدراً للتنظير والتجديد بالأفكار وليس بحفظ السياقات التي تعلمها مع هامش صغير في الاجتهاد في الميدان التعبوي الصغير فالشرط الأساس للقادة هو أن يحولوا ما درسوه وقرءوه إلى تكوين وتنام لأركان الملكة القيادية التي لابد من الدراسة والقراءة والاطلاع لتكوينها وأن يغنوا هذه الملكة بخصوصياتهم المبدعة وسياقاتهم المستخرجة من الحالات المتحركة للحياة بكل ما هو جديــــد (6) .
إن النموذج المتردد للقادة هو الذي غالباً ما يحاول أن يغطي تردده في إتخاذ القرار بالاعتماد على تأليف اللجان وغيرها والتي تجعل المسؤولية متكئة على وليس مستفيدة من أكثر من جهة كما يتجنب اتخاذ القرار من موقع المسؤولية القيادية وهذا النموذج المنتقد يجعلنا نرجع إلى التعريف . هل القيادة علم أم فن ؟ إن القيادة علم وفن وخصائص أخرى (1) .
والقائد يجب أن يكون (( قوياً بلا غرور ومتواضعاً دون ضعف )) وأن يكون واثقاً من نفسه وأمته ومبادئه . وأن يتعمق بالتجرد والعفة .
ويقول القائد صدام حسين : (( إن القائد في الوقت الذي يملك فيه شيء عليه لا يملك أي شيء بمعنى أن يتعامل مع نفسه كملك للأمة ، فالذي يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد ، فنحن مولودون عن الماضي ولسنا حالة منقولة عنه ونحن ننزع لأن نكون جزءاً قيادياً في حالة المعاصرة الجديدة ولسنا حالة متدحرجة خلفها أو مرتبطة بحركة القائمين بها ، نحن نرتبط بحركة العصر ولكننا نرتبط بحركة العصـر بزخـم فعال لأغـراض الحـركة بدور قيادي )) (2) .
وهكذا فإن القيادة في مفهوم القائد ليست الاستفراد بالقرار وليست التأليه وعبادة الفرد على الطريقة ” الستالينية ” وإنما هي عمل يبرز من بين الجماعة القائد لحاجة ضرورية وعملية والقائد يؤشر نفسه بفعله ويشار إليه بالبنان من كل من حوله قائلين هذا هو القائد وقد شاء القدر أن تجتمع كل صفات القائد التاريخي النزيه في شخص صدام حسين وبرغم ذلك يقول : (( أنا لست الراية الوحيدة )) ويتمثل دائماً بالقول الريفي : ( لا يحمـل السيف بلا جنائد ) وعندما أشار إليه رفاقه وشعبه بالبنان قال بتواضع الثوار والقادة العظماء : (( إن تقييمكم لي بهذه الصورة هو يكاد يكون عبئاً عليّ ويتطلب مني المزيد من العمل والجهد وآمل أن أوفي ذلك حقه )) (3) . فهو إذن لا يتهرب من مسئوليته القيادية.
ويقول القائد : (( إن الأمم التي تصل إلى مستوى يقرب من درجة الإشباع في التطور في كل ميادين ومجالات الحياة وأن سياقات التطور هذه تجري بصورة اعتيادية ومطمئنة فإن هذه الأمم لا تحتاج إلى القائد الذي وصفنا ، لأن مثل هذه الحالة لا تبقى هامشاً لدور القائد غير الاعتيادي لأغراض التطور والنهضة في ميادين الاقتصاد وبالوضع النفسي والسياسي والاجتماعي وكذلك الوضع العسكري مع اختلاف تأثير هذه الحالة والحاجة إلى ظهورها من أمة إلى أخرى ومن مرحلة إلى أخرى )) (4) .
فمطلوب منا في هذه الظروف أن نؤدي دوراً غير اعتيادي في تحويل الأمة من حالة إلى حالة .. من حالة الضعف والتردد إلى حالة المنعة والإقدام ، من حالة التخلف إلى حالة النهوض والازدهار.
إن العلاقة بين الأمة والقائد ، بين الظاهرة والقائد بين الصيرورة والقائـد ، تبادلية التأثير في صيرورة القائد وصيرورة الحالة الجديدة ، والأمة الجديدة ، ومن الصيرورة الجديدة فهي تنمي إمكانات القائد وتخلقه بإطار وإمكانات جديدة في الوقت الذي يؤدي فيه القائد دوراً حاسماً في صيرورتها وخلقها خلقاً جديداً ، والآن لا يظهر قائد في اليابان أو السويد أو الدانمارك لأنها لا تحتاج إلى قائد ولكن من الممكن أن يظهر في أنغولا أو موزمبيق أو مصر أو تركيا (1) .. الخ ويؤكد : (( أن ثمة فرقاً بين القائد وبين الحاكم )) (2) ، وإن نحن قبلنا بدور القائد فإننا لا نقبل بدور الحاكم وعليه نقول : (( إن البعثي الجيد ليس هو ذلك الذي يحقق الهدف عندما لا تكون هناك مشاكل وتعقيدات أمامه ، بل أنه الذي يواجه تلك المشاكل والتعقيدات ويعرف كيف يتعامل معها ، ويستخدم جانباً منها لصالح حركته إلى أمام والبعثي الجيد ليس هو ذلك الذي يركض جيداً في ساحة مفتوحة بل أنه الذي يحسن الجري وسط الألغام )) (3) .
ذلك هو القائد في فكر القائد العظيم صدام حسين .. فأهلاً بالولادة المباركة التي وهبتنا هذا القائد .
(*) نشر في جريدة الثورة العراقية ، 5/6/1996 ، العدد (9003) .
(3) صدام حسين ، المختارات : ج6 ، ص53 .
(4) المصدر السابق : ج6 ، ص54 .
(1) صدام حسين ، المختارات : ج6 ، ص54 .
(2) المصدر السابق : ج6 ، ص34 .
(3) المصدر السابق : ج4 ، ص321
(4) المصدر السابق : ج4 ، ص130 .
(1) صدام حسين ، المختارات : ج6 ، ص55 .
(2) المصدر السابق : ج4 ، ص182 .
(3) المصدر السابق : ج6 ، ص56 .
(4) المصدر السابق : ج6 ، ص91 .
(5) المصدر السابق : ج6 ، ص35 .
(6) المصدر السابق : ج6 ، ص36 .
(1) المصدر السابق : ج6 ، ص40 .
(2) من كتاب الابداع عنوان الأصالة : ص11 .
(3) المصدر السابق : ج4 ، ص323 .
(4) المصدر السابق : ج6 ، ص52 .
(1) المصدر السابق : ج6 ، ص53 .
(2) المصدر السابق : ج5 ، ص109 .
(3) المصدر السابق : ج4 ، ص337 .
Leave a Reply