بين العتاب واللوم

د. بهجة معلا

يدخل العتاب في دائرة المحبة؛ فنحن نعاتب دائمًا الناس الذين نحبهم والذين يمتلكون مكانة خاصة في قلوبنا. لذلك يقال: “لو ما بدورك ما بعاتبك.” فقدان شخص عزيز يُصيبنا بفراغ، وهنا يأتي العتاب من باب الحب، الحب الذي لا يسمح بأي هدنة أو غياب. إذا غاب الحبيب أو الصديق يومًا أو أسبوعًا، يأتي العتاب واللوم.

على فكرة، هناك فرق بين الاثنين طبعًا، فالعتاب غير اللوم. العتاب هو أن تعاتب حبيبك على خطأ معين من باب المحبة، وهذا يكون بنية تحسين العلاقة. لكن اللوم هو ألا تتقبل وتقتنع بعذره، وتفترض أنه لا يوجد مبرر للغياب. لذلك يقال لك: إذا كان فلان مهمًا عندك، فستجد له مساحة لتقبل أعذاره.

أحيانًا يخرج العتاب عن إطاره الحقيقي، وفي هذه الحالة لا يُظهر المحبة ولا يُعبر عنها، بقدر ما يُظهر السخط والضجر من الطرف المُعاتَب. لذلك، هناك مثل يقول: “كثر العتاب يجلب الجفاء”، أي عندما تعاتب شخصًا مرة واثنتين وخمسًا، ينفر منك ويقول: “الله الغني عن محبتك المليئة باللوم والعتاب.” لهذا، يجب أن نترك مساحة للطرف العزيز حتى لا نصل إلى مرحلة الجفاء.

اللوم هو توجيه اتهام ونقد بسبب خطأ أو تقصير. اللوم أحيانًا يكون قاسيًا أو جارحًا، وممكن أن يؤدي إلى قطع العلاقة. لذلك، يجب على الناس ألا يخلطوا بين من يلوم ومن يعاتب، ودعنا نؤكد عليك: تمسك بمن يعاتبك، واجعل مسافة مع من يلومك، لأن من يعاتب يُعبر عن عاطفة إيجابية، بينما من يلوم ينظر إلى الأمور بمنطق العقل ويهمل العواطف. أحيانًا مشاغل الحياة في زمننا الصعب هذا تأخذ الإنسان بعيدًا، ويكون مجبرًا على البُعد بالرغم من أنه ليس رغبته، وهذا النوع إذا كثر عليه اللوم ينفر؛ لأنه يأخذ وقته في غيابه، ويرجع في الزمن المقدر له العودة.

عتاب ينهي الصلاحية!

في نوع ثانٍ من العتاب يعمل على إنهاء صلاحية وجود الشخص في دواخلنا. وهذا نكتفي معه برسالة وداع، ونقول له: “خلاص، رصيدك الوجودي عندنا انتهى.” لأنه أي شخص فينا لديه رصيد عند الطرف الآخر، إذا انتهى، يشيل شنطته ويغادر. والمعنى أنك أصبحت غير مرحب بك. هنا العتاب الحنون لا ينفع، فصفارة إنذار المغادرة تكون قد دقت. لذلك دائمًا أقول: دعنا نُبقِ مسافة أمان بيننا وبين الطرف الثاني؛ لا نبتعد ولا نقترب، نعاتب فقط، لكن لا نلوم، ولا نفتعل الغياب.

مسافة الأمان في العلاقة بين الناس تشبه المسافة بين سيارتين في شارع عام، لو ضيعت مسافة الأمان، فستصطدم بالسيارة التي أمامك. كذلك بين البشر، إذا انعدمت مسافة الأمان بينهم، يحدث حادث، وهذا إنذار بالفراق الأبدي. وعلى قول الفنان الجميل الراحل خوجلي عثمان: “لوم الأحبة جراح، زاد الأسى الفيني… وشال من منامي الراح.” ولعل أجمل من تغنى في العتاب الفنان الراحل عثمان حسين في “عشرة الأيام” لما قال: “عشرة الأيام ما يصح تنساها، كأنه ما حبيتك وكأنه ما عشناه وضمانا أحلى غرام… لِمَ فجأة دون أسباب، من غير عتاب أو لوم، اخترت غيري صحاب… وأصبحت قاسي ظلوم.”

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.