العشب يستعيد هيبة الأرض

بابكر الوسيلة
#ملف_الهدف_الثقافي
بينما كنتُ أُطالعُ، هذا الصَّباح ما كتبه على الفيسبوك الشَّاعر اللبناني شربل داغر في أحد استبصاراته المشهديَّة حول الأشجار، تلك الَّتي تموت واقفة مثلما أنَّها تعيش واقفة بجلال، فإذا بعبارة منه أحدثت في روحي رعشة: “الشَّجر يستعيد هيبة الفضاء”.
على الفور، مددتُ برأسي أتطلَّع إلى الأشجار من حولى في دوائر الفضاء اللا نهائي للمكان الَّذي أقطن فيه. أشجار كثيرة خطرت ببالي وأصبحت تتسامي في الفضاء الحقيقيِّ لأشجار الطَّبيعة. أنا الآن أمام غابة في الفضاء، غابة إثر غابة. استعاد الفضاء هيبته في فضائي بالأشجار واستفاق الأمل.
على الأرض، في الحوش المترامي أمامي في البيت بدأتِ الأعشابُ تُطلُّ برأسها رويدًا رويدًا بفعل غيث السَّماء، كنَّا رمينا “هكذا” بذورًا على نفس الحوش في خريف العام الماضي، هدايا الله الخضراء: بامية، خضرة، جرجير، خيار، قرع، كركدي، رجلة، شطَّة خضراء، أسود، شمَّام، بطِّيخ، عيش ريف، وعنكوليب. حصدنا بعد فترة قصيرة ما بذرناهُ في هذه المزرعة العائليَّة واقتبسنا نورًا من أسرارها، تذوَّقنا للأرض معنًى من معانيها المتعدَّدة، أكلنا وشبعنا ورقدنا ببطونٍ ممتلئةٍ من خيرات هذا المكان السَّاحر السَّائب. رعاك الله يا سودان وحفظك من آفاته البشريَّة والحشريَّة، قاتلي الخُضرة والأمل، ومهدِّدي الأرض بالجفاف والذُّبول وتصحُّر الوجدان.
أطلَّ العشبُ على أرض الحوش، حوض الخضرة، (يا لرائحة الطِّين!) وبدأتُ أتأمَّلُ الشُّقوقَ الَّتي حدثت إثرَ غيثٍ أوَّليٍّ انهمر. “العشبُ يستعيدُ هيبة الأرض” هكذا قلتُ في سرِّي يا داغر.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.