
عدي المشرقي
#ملف_الهدف_الثقافي
عندما أراد حافظ إبراهيم السفر إلى اليونان، حاول صديقه مصطفى صادق الرافعي أن يُثنيه، فقال له: “ألا تخشى أن تموت هناك، فتموت يونانيًا؟”
فأجابه حافظ: “أوَتراني لم أمت بعد في مصر؟ إن الذي بقى هَيِّن!”
ويقول المثل: “إكرام الميت دفنه”، لكن لا أحد يخبرنا لماذا لم يقل شيئًا عن وأد الأحياء! في زمن لم تعد فيه المقاصل خشبية، صارت الأفكار تُعدَم بالتشهير، وصار كل من أراد أن يتنفس حرية، أو يحلم بمستقبل مختلف، يُتَّهم بالشغب.
الوأد لم يعُد حفرةً صغيرة لبنتٍ بريئة كما في الجاهلية، بل صار سياسةً ممنهجة تُمارس ضد العقل، والصوت، والحلم.
موؤدة هذا العصر ليست أنثى تُدفن، بل طاقة تُكبت، وصوت يُخنق، وعقل يُزجر، وشاب يُمنع من الحلم.
وأد الأحياء: أن تهيل التراب على كرامة الناس، على مشاعرهم، على أحلامهم، وعلى ما هو حق لهم.
ومن الوأد: أن تُجبَر على ابتلاع رأيك في كل ما يدور حولك، وإلا فالمصير معروف: السجن. لأن أحدهم قرر استنساخ تجربة فرعون العظيمة في الحكم: (ما أُريكم إلا ما أرى).
وما علم أن في بيت فرعون نفسه كانت تسكن ماشطة ابنته، وزوجته، وفرعون نفسه هو من ربّى موسى!
ومن الوأد: أن تكون كل يوم مطالبًا بأن تثبت لحفنة من الأنذال، يُوزّعون صكوك الوطنية وتُهَم الخيانة، أنك تحب وطنك أكثر منهم. وأن القطعان لا تبني أوطانًا، وأن المجد أحيانًا لمن قال: “لا”.
ومن الوأد: أن لا تملك حتى قلبك، فالحكومة تملي عليك من تحب ومن تكره.
ومن الوأد: أن لا تملك قلمك، فإذا كرهوا شخصًا صباحًا، فعليك أن تهجوه، وإن أحبوه مساءً، فعليك أن تمدحه.
ومن الوأد: أن لا تملك حتى أفكارك، هم يفكرون عنك، حتى لا تُتعب عقلك!
بالله عليكم.. ارحمونا. يكفينا أن الموت قدرٌ لا مفر منه، فلا تدفنونا أحياء. لا تخنقوا أصواتنا،
لا تقتلوا هممنا باسم الواقعية، ولا تسجنوا أحلامنا داخل مقاييسكم البالية.
* كاتب من اليمن
Leave a Reply