العظمة في البذل لا في اللقب

د.سلمى نايل

#ملف_الهدف_الثقافي
ليست الشهادات ولا الألقاب ولا المناصب هي ما تصنع قيمة الإنسان في جوهره، بل إن ما يمنحه للناس من خير، وما يتركه فيهم من أثر، هو المعيار الحقيقي للكرامة والرفعة. فكم من إنسان بسيط، لا يحمل من الألقاب شيئًا، ولا يتقلد في دوائر الدولة منصبًا، لكنه في مواقف العطاء والمروءة، يعلو فوق الرؤساء، ويسمو فوق الوزراء.
ربما يكون عاملاً بسيطًا، أو سائقًا، أو جنديًا مغمورًا في آخر الصفوف، لكنه حين يدعوه الواجب، يتحرك فيه ضمير الإنسانية، ويستيقظ فيه نور الفطرة، فيقدم من الفعل ما تعجز عنه مؤسسات، ويهب من الرحمة ما لا توفره السياسات.
إن الإنسان الحقيقي لا يُقاس بما كُتب أمام اسمه، بل بما كُتب في قلوب الناس عنه. وهنا فقط، تتجلى العظمة بمعناها الخالد. من وقف بجانب يتيم، أو كفل أرملة، أو سعى لإصلاح بين متخاصمين، أو أعان غريبًا لا يعرف اسمه ولا دينه، فهذا هو البطل الحقيقي، وهذا هو صاحب المقام الرفيع.
وما أحوجنا اليوم إلى إعادة تعريف البطولة والنجاح، إلى إعادة البوصلة إلى القيم الفعلية التي تنهض بها المجتمعات. فالتاريخ لا يخلد إلا أصحاب المواقف، ولا تذكر الألسن إلا من مسحوا دمعة، أو أشعلوا شمعة في درب معتم.
يا من تعمل في صمت وتمنح في خفاء، يا من لم تُنصفك العناوين، ولم تحتفِ بك المنصات، اعلم أن فعلك في ميزان الله والمجتمع أثقل من أن يُقارن بكرسي أو شهادة. أنت القيمة، وأنت المعنى، وأنت المعيار الذي نحتاج أن نقيس به الآخرين.”

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.