“التحالفات المدنية على المحك: هل تعيد مذكرة التيار الثوري فتح جراح مفارقة البعثيين وتقدم؟”

✍🏽 امجد السيد

أثارت المذكرة الأخيرة التي بعثت بها الحركة الشعبية لتحرير السودان  التيار الثوري الديمقراطي إلى قيادة تحالف “صمود”، ردود فعل واسعة وطرحت أسئلة عميقة حول طبيعة الأزمة التي تعاني منها التحالفات المدنية الديمقراطية منذ ثورة ديسمبر  وما إذا كانت هذه الكيانات قد تجاوزت الأسباب التي دفعت قوى مهمة  مثل حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل وكيانات مهنية ومطلبية  إلى مغادرتها أو تجميد نشاطها فيها.

المذكرة  التي حملت توقيع الناطق الرسمي باسم التيار الثوري نزار يوسف جاءت بلغة نقدية واضحة دون أن تقطع شعرة التواصل مع التحالف بل عبرت عن استعدادها للحوار من الداخل لكنها لم تتردد في تشخيص أزمة صمود بأنها أزمة سياسية قبل أن تكون تنظيمية مرتبطة برؤية التحالف وموقفه من الحرب وطبيعة تكوينه هل هو تحالف عضوي لإنجاز مهام وطنية، أم مجرد منصة للتفاوض والمساومة السياسية؟

الأسئلة التي أثارتها المذكرة ليست جديدة بل تكررت بحذافيرها  في سياقات انسحاب قوى مثل حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل من “الحرية والتغيير” وفي نقد كتل أخرى لتحالف “تقدم” لاحقاً. يبدو أن التحالفات التي نشأت بعد الثورة لم تنجح في ترسيخ قواعد ديمقراطية داخلية ولا في بناء رؤى مشتركة حول أولويات الصراع ومهام الانتقال.

التيار الثوري  في مذكرته يؤكد أن التركيز على العملية السياسية بمعزل عن الكارثة الإنسانية هو خطأ جسيم يكرّس معاناة المدنيين ويطيل أمد الحرب ويدعو بالمقابل إلى إعادة بناء التحالف على أسس عضوية تضمن الاستقلال عن الفضاء السياسي المأزوم  والانحياز للضحايا وحشد جبهة وطنية واسعة مناهضة للحرب.

الأهم في المذكرة أن التيار الثوري أعلن عدم مشاركته في المائدة المستديرة أو الأجهزة التنفيذية لصمود ما يعكس موقفا نقديا واضحا من العملية السياسية الراهنة باعتبارها لا تعبر عن قوى الثورة الحقيقية ولا تقدم إجابات فعلية على معاناة الناس بل تكرر تجارب التسويات النخبوية الفاشلة.

ورغم هذا الموقف  لا تعلن الحركة انسحابها بل تسعى للإصلاح من الداخل مع الالتزام بالشفافية وحق الرأي العام في معرفة ما يدور داخل الكواليس وهذا يعكس حرصاً على الوحدة مع نقد واضح لبنية التحالف وهو موقف يمكن أن يعيد طرح النقاش حول أسس بناء جبهة مدنية حقيقية.

تكشف المذكرة ضمنا ان تحالفات قوى الثورة لم تنجح في تمثيل التنوع السياسي والجغرافي والنوعي ولا في ضمان المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار وهي ذات الأسباب التي لطالما شكّلت عوامل طرد ونفور داخلية وأفضت إلى انسحابات متكررة وإلى نشوء كيانات جديدة  غالبا ما تعاني نفس العلل لاحقا

فهل يمكن القول إن صمود كما من سبقها لم تتخلص من عقلية احتكار القرار وتقديم التسويات على حساب المبادئ؟ وهل آن أوان المراجعة الجادة لمسار التحالفات المدنية إن أرادت فعلا أن تبني جبهة قادرة على وقف الحرب وبناء الانتقال الديمقراطي؟

ما لم تعِ قوى “صمود” الدروس المتكررة وما لم تُفتح أبواب النقد والإصلاح الداخلي  فإن المصير قد لا يختلف عن مصير تحالفات فقدت بريقها وصدقيتها مذكرة التيار الثوري الديمقراطي لا تعادي “صمود”، لكنها تعلن  بوضوح  أن الثورة لا تُقاد بالمجاملات ولا بالبيانات المنمقة بل برؤية واضحة وتحالفات مستقلة  وأولويات تقف إلى جانب الضحايا لا فوقهم.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.