
محمد ضياء الدين
لا شك أن مدينة أم درمان بقعة المهدى عليه السلام، هي صرة السودان وقلبه النابض، وبوتقة إنصهار مجتمعه بتنوعه الغني. مؤخراً برز أمرٌ غريب وعجيب ومثير للدهشة، وهو الإعلان عن الدعوة لتشكيل جماعة مسلحة بإسم “شجعان أم درمان”. هذا الإعلان، الذي ظهر على منصات التواصل الإجتماعي وتبعته إعلانات مماثلة في ولايات أخرى، يثير تساؤلات مهمه حول الجهة التي تقف وراءه، خاصة في ظل إنتشار ظاهرة “تمليش” المجتمع وتحوّل الجميع إلى حملة للسلاح. تزداد الدهشة والاستغراب، كون أم درمان ظلت دائماً أحد أهم معاقل الوعى والوحدة والتماسك المجتمعي في السودان. فهي المدينة التي تجمع أهلها على المحبة والتماسك، مدينة التجانس والتعايش السلمي الذي يضم جميع مكونات السودان دون أي تعقيدات قبلية أو عنصرية. كل من عاش في أم درمان يعرف أنها مدينة تشبه السودان كله، بتنوعه وإختلافاته، لكنها تحتفظ بروح واحدة وروابط قوية بين أهلها، دون أن يسأل أحد عن أصله أو قبيلته أو دينه.
تتجلى روح أم درمان الجامعة في تفاصيل حياتها اليومية، في ميادين الرياضة، في الأسواق الصاخبة بالحياة والمقاهي، وفي الأفراح حيث يعشق أهل أمدر الطرب الأصيل والنكتة اللمّاحة والناس القيافة، وفي الأتراح حيث يتجلى التكافل الإجتماعى في أبهى صوره. هذه المدينة العظيمة إحتضنت أبناءها من كل بقاع السودان ليقاتلوا المحتل في أشرف معارك الكرامة الحقيقية بكرري، تحت راية واحدة.
(من النيل بالجهة الغربية أنظر معقل الوطنية).
هناك من يريد جر أم درمان إلى مسارات لا تشبهها، لكن الحقيقة أن أبناء أم درمان وبناتها يتميزون بوعي كبير، فهم ليسوا بحاجة إلى رتب أو سلاح ليعوضوا أي نقص في شخصياتهم. يكفيهم أن يكونوا “أولاد وبنات أم درمان” ليكونوا في أعلى الرتب والمراتب. عندما نتحدث عن مجتمع أم درمان، نساءً ورجالًا، فإننا نعني بذلك أبناء السودان الواحد الموحد المتجسد في هذه المدينة العريقة.
أم درمان هي صمام الأمان لوحدة المجتمع السوداني بكل مكوناته الإجتماعية، فهي عصية على “التمليش” الذي يسعى لتقسيمها إلى مجرد قبائل ومجموعات متحالفة مع هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع الدامي.
إن إقحام أم درمان في مستنقع الصراعات المسلحة هو أمر خطير للغاية، فمن يقوم بذلك لا يدرك المعنى الحقيقي لهذه المدينة ولا يعرف مجتمعها المتسامح والمترابط.
يا سادة، أبناء أم درمان لا يعرفون القبلية أو العنصرية. لقد إنصهر هذا المجتمع الفريد بالمحبة والتصاهر، وخلق نموذج مرجعي يمثل الركيزة الأساسية لبقاء السودان واحداً موحداً. إذا إنكسرت أم درمان “لا سمح الله” ، سينكسر شيء عميق في وجدان كل السودانيين. لذلك، الحفاظ على مجتمع أم درمان متماسكاً هو الحفاظ على السودان كله.
كما ومن نافلة القول إننا عندما ننحاز لأم درمان فإننا ننحاز للسودان بأكمله، من نقطة إرتكازه ومحوره، أم درمان الحبيبة.
Leave a Reply