إلى الموؤُدة حلفافي حزنها الصامت، وأنينها المكبوت: “حَنينُ العَــوْد”

أقدّم في معرض الأسف المتأخر نشيدي: “حَنينُ العَــوْد” لعله يحرّض على كشف سوءة التاريخ، وتعرّية غباء المتنفّذ، وكشف مطمع المستفيد.

بقلم: الطيب برير

#ملف_الهدف_الثقافي

حَنينُ العَــوْد

أَوَ تَـبْتَنِي بالقصدِ بيتَكَ..!؟
ولنقُلْ قَـبْرًا(1)
يُماثلُ قُدرةَ المِعمارِ
في فهمِ الغُرابْ(2)
متماهيًا.. وعيًا يُباصرُ
في مدى “فَرَحِ(3)” المُسافرِ..
من حُطامٍ زائلٍ
نحو الحقيقةِ في مَعارِيجِ الإيابْ
إنّي قددّتُ القلبَ نافذةٍ
عجيبٌ أمرُ قَلبي
إذْ يَرى لَوْنًا
بِمُفردِهِ..؛
يُشكّلُ لوحةً
خُتمتْ بتوقيعٍ:..
خَــرابْ
هو النّــيلُ..
ذات النّيل الذي قد طاف باديةً
يُسارعُ للشّمالِ
الآنَ أغرّقــنَا المَدينةَ
ويْحَها حَلْفا
وليسَ بغيرِها للنّـيلِ..
بَابْ
هيَ إنْ تَكن أثَـرًا..؛
فللتّاريخِ سَطْرٌ
لمْ يزلْ ينْـزُو صَديدًا
عَــزِّهَا..
فالجُرحُ يَعرفهُ المُصابْ
أسفًا على دفٍّ يئنُ..؛
مآذنٍ نَاحَتْ..؛
وموجٍ راحَ في هرجٍ يسُــوحُ..
وهَكذا..؛
فالماءُ يُعْجبهُ التُّـرابْ
أسفًا على التّاريخِ..
والآثارِ..
والذّكرى تشاجنُ وَحْشةَ الإيحاشِ
في غُبنِ التدثُّرِ بالعُبابْ
أسفًا على كُلِّ القُــبُورِ..
تحنّطتْ أكفانُهَا بنويْحِها
يعلُو العويلُ مرارةً
ثُـمّ الصّدى كان الجَوابْ
لمْ يتركُوا غيرَ الأسَى
دمعاتِ من حَفظوا
حنينَ العَـوْدِ من هذا الغِيابْ
خُطَبٌ..
تفرّخُ لجنةً..
أو لجنةٌ أُخرى
تبشّرُ بالجِنانِ
يُظلّها زَهْــــوُ السّحابْ(4)
لا السّمعُ أدركَ من بُكائِكَ شهقــةً
لا العينُ تُبصرُ
ما تنشّـرَ من ضَبابْ
حَـرِجًا يُطِلُّ..؛
مُهَرْطِقًا..
لا تعتذِرْ
قد بَانَ عُــريُكَ تُـقيةً
هَا.. فَاسْـتَتَرْ
سيّانِ..؛
بعضُ العُرْيِ
تَفضحُهُ الثّـيابْ

(1) في الأثر النبوي الشّريف: “.. ولا تبنوا ما لا تسكنون”.

(2) ما تزال المقابر معمارًا يمتد توسعًا من هندسة غراب.

(3) في المسرود المثيولوجي – والعهدة على من روى – أن أحد سلاطين سنار القدماء بنى قصرًا منيفًا، ودعا الشيخ فرح ودتكتوك، عليه رضوان الله ورحمته، لمباركته، فجعل “ود تكتوك حلّال المشبوك” يجوس في القصر مبديًا تعجبه ودهشته، بضرب كفّ على كف.. فلما رأى السلطان منه ذلك، بادره بالسؤال؛ منتظرًا التقريظ والثناء: أها رأيك شنو يا شيخنا..؟! فجاءه الرد؛ على غير المنتظر: “شن بشوف؛ ترا طينًا مردّم، باكر بتموت وهو بتهدّم”..! أو كما قال.

(4) كل الوعود التي “مُنّي” بها أهالي حلفا من أصحاب النفوذ والقرار آنذاك لم يُنجز منها إلا السراب، ورحلة التهجير أورثت العديد منهم ظلامات، وآثارًا نفسية ثقيلة، ما زالت واقرة في النفوس حتى اليوم، ولم تكن الاعتذارات اللاحقة من لجان التهجير كافية لرتق الفتق.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.