
✍️ أمجد السيد
في السودان لم يكن الطغاة وحدهم من يصنعون الماسي فالاستبداد لا يحكم بالعصا فقط بل يزدهر حين يجد من يُبرره ويُزيّنه ويُهلل له عبر كل مراحل التاريخ الحديث لهذا البلد من عبود إلى النميري ومن البشير إلى برهان وحميدتي ظلّت الأنظمة الاستبدادية تجد سندا من قاعدة شعبية تُنكر القهر وتُصفق للدم وتُشيطن الضحايا وتُقدّس الجلاد.
لذلك، حين نقول أقذر الطغاة مؤيدوهم لا نُطلق شتيمة بل نضع ايدينا على الجُرح المفتوح الخلل فينا لا فيهم وحدهم.
لقد كانت كل سلطة فاسدة تمر وكل انقلاب يتم وكل حرب تشتعل تجد من بيننا من يُزينها أو يسكت عنها أو يتواطأ معها لمصلحة لقبيلة لمنصب أو خوفا وفي المقابل لا تجد غالبا من يضحي أو يقول لا إلا أقلية تدفع الثمن مضاعفا من عمرها ودمها وعزلتها.
في الخرطوم كما في الفاشر في النيل الأزرق كما في الجزيرة تنكسر الجماهير تحت نفس الأخطاء دعم السلطان لا الحق رفع شعار الأمان مقابل الطاعة تصديق وعود العسكريين وتفويض الظلم باسم الاستقرار
حين ننظر لحال السودان اليوم نُدرك أن ما جرى لم يكن صراعا بين جيش وميليشيا بل سقوط أخلاقي جماعي لقد تحولت الثورة إلى سوق للمصالح وتقسيم السلطة صار أولوية على تقسيم الخبز و بعض النخب السياسية لم تكن أنظف من الجنرالات بل كثيرا ما شكّلت غطاءً سياسيا لقذارة العسكر.
هذا الخراب ما كان ليحدث لولا أن هناك ملايين السودانيين عن قصد أو جهل ساروا خلف الطغاة ورقصوا على جراح غيرهم ووضعوا الطائفية والجهوية فوق الوطنية.
في النهاية لا أحد ينجو لا النازحون ولا الساكتون ولا المؤيدون. الطغيان حين يحترق لا يميّز بين يد صفقت له ويد قاومته الحرب لا تفرّق بين من أيدها ومن عارضها كلنا اليوم لاجئون في وطن بلا ملامح أو في شتاتٍ بلا أفق.
الطغاة لا يولدون من فراغ يخرجون من ثقافتنا تربيتنا مدارسنا مساجدنا صفحاتنا في فيسبوك ومجموعات واتسابنا ولذلك لا جدوى من لعن الطغاة فقط يجب أن نلعن ما رسخنا في عقولنا من تقديس الزعيم من قبول الظلم من تحويل السياسة إلى قبيلة،والانتماء إلى بيعة
الاعتراف بأن الطغيان يعيش فينا هو أول الطريق نحو تحررنا منه
لنبدأ من الصفر من أنفسنا
الثورة الحقيقية تبدأ من الداخل. من الشجاعة في قول الحق. من التربية على النقد لا التبجيل. من مؤسسات تبني الوعي لا تُفخمه من إعلام يُعري الجريمة لا يُبررها من شعبٍ لا يَكذب على نفسه ولا يُبرر دمار وطنه باسم الضرورة
في النهايةلم تكن مشكلتنا في حاكم فرد بل في جمهور يُشبهه.
Leave a Reply