توقيع أربعة أحزاب.. هل السودان على أعتاب تحالف مدني واسع لوقف الحرب؟

تقرير: “الهدف” 

 في خطوة وصفت بالنوعية، أعلنت أربعة من أبرز القُوَى السياسية السودانية – حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)، حزب الأمة القومي، حزب التجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني الجمعة الماضية، توقيع بيان مشترك. هذا البيان، الذي يأتي في ذروة أزمة إنسانية وسياسية غير مسبوقة، يضع إيقاف الحرب في صدارة أولوياته الوطنية، ويؤكد حسب البعض تمسك هذه القوى بثوابت ثورة ديسمبر المجيدة، في إشارة واضحة نحو توحيد الصف المدني لمواجهة تحديات البلاد المصيرية.

 تشخيص لا يرحم لواقع الأزمة

البيان، الذي حصلت “الهدف” على نسخة منه، لم يتردد في استخدام لغة صارمة وشفافة في تشخيصه لواقع الأزمة السودانية.  وحسب المحلل السياسي عمر سفيان في حديثه لـ”الهدف” حمّل البيان الأطراف المتحاربة المسؤولية الكاملة عن تشرذم النسيج الوطني، وتفكك مؤسسات الدولة، وتفاقم المأساة الإنسانية لملايين السودانيين. وقال: “لم يغفل البيان، الذي صدر في توقيت بالغ الدقة بعد عامين من اندلاع الحرب، الإشارة إلى التفشي الخطير لخطاب الكراهيَة والعنصرية الذي بات يهدد بتقسيم البلاد وتفتيتها. مشيرا إلى أن هذا الواقع المتردي يأتي في ظل أزمة إنسانية وصفتها مصادر أممية بأنها “واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية” على مستوى العالم، كما جاء في تقارير نشرتها مؤسسات بحثية وإعلامية دولية مرموقة.

 رفض العسكرة ومواجهة الإفلات من العقاب

الميزة الأبرز في هذا البيان بحسب مراقبين، هي دعوته الصريحة والواضحة إلى ضرورة النقد الذاتي الجاد وتجاوز الخلافات الثانوية، وتحمل المسؤولية الوطنية دون استثناء، فضلا عن تشديده بشكل قاطع على رفض عسكرة الدولة بشكلها الحالي ومستقبلها، مع التأكيد على عدم الإفلات من العقاب لكل من تورط في الجرائم والانتهاكات بحق الشعب. وهو ما أعتبره البعض موقفاً يعكس إصرارًا على بناء دولة مدنية تحترم سيادة القانون.

ويؤكد البيان أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو أن “يضع السودانيون مشروعًا مدنيًا جامعًا فوق كل الجبهات”. وفي صياغة لا تقبل التأويل، اعتبر البيان أن: “تشكيل جبهة شعبية مدنية عريضة هو الطريق الوحيد لإعادة بناء دولة مدنية مستقرة.”

ويرى سفيان أن أخطر ما ورد في البيان هو تحذيره من “التشتت الإعلامي والسياسي يتيح للقوى العسكرية تمديد الحرب العبثية.”

 إعلام موحد وإشراك واسع

وحسب متابعات” الهدف” طرح البيان رؤية لاستراتيجية وطنية شاملة، داعيا إلى إطلاق تنسيق إعلامي موحد يجمع قوى المجتمع المدني، الأحزاب، والحركات، بهدف دعم وقف الحرب ومواجهة الخطاب المحرض على الكراهية، لتتقاطع هذه الدعوة مع مطالبات دولية عاجلة، كما عبرت عنها حملة “Saferworld” ومنظمات إنسانية أخرى التي دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات العاجلة للمتضررين.

كما أكد البيان على ضرورة أن يشمل المسار الوطني نحو السلام جميع دعاة السلام المدنيين من فئات المجتمع المختلفة، مشددًا على أن: “المرأة، والشباب، والمناطق المهمشة… هم جزء أساسي من الحل.” هذا التطلع يتماشى مع توصيات الأمم المتحدة في اتفاقيات سابقة، التي تؤكد أهمية الإشراك الواسع لكافة شرائح المجتمع في عمليات بناء السلام لضمان استدامته.

 آمال وتحديات

من جانبها أعربت تقارير إعلامية تناولت البيان، عن أملها في أن تُلهم هذه الخطوة الشجاعة قوى سياسية واجتماعية جديدة للانضمام إلى هذه المبادرة، والعمل بشكل مشترك على إنشاء ميثاق سياسي شامل يعزز مشروع الجبهة المدنية العريضة. ويذهب المحللون إلى أن هذا الميثاق من شأنه أن يرسخ السلام المدني الديمقراطي كخيار وطني لا رجعة عنه للسودان.

سلام مدني أم استمرار النزيف؟

في السياق يرى عمر سفيان أن البلاد تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، إما الاستمرار في مخاض عسكرة الدولة ونزيف الدم، أو الانخراط بجدية في خارطة طريق لسلام مدني يضمن انتقالًا ديمقراطيًا حقيقيًا وشاملًا. وأضاف: يبدو أن الإيمان بالحل المدني، الذي يرتكز على إرادة الشعب، هو الخِيار الوحيد لاستعادة الوطن وبنائه من جديد على أسس صلبة من العدالة والمساواة.

كثيرون مؤيدون للخطوة اعتبروا أن التوقيع يمثل محاولة جادة لإحياء مشروع ثورة ديسمبر وترسيخ رؤية السودان الموحد والمستقر. بيد أن هذه المبادرة لا تخلو من عقبات وتحديات جسيمة؛ أبرزها تدخل العسكر وتسللهم إلى الفضاء المدني عبر عدة بوابات، فضلا عن هشاشة البيئة السياسية، والتأثيرات الإقليمية المتشابكة، وهي كلها عوامل حَسَبَ رأيهم تمثل تحديات أمام بناء جبهة مدنية متماسكة وقادرة على إحداث التغيير المنشود.

عمومًا، على الرغم من كل هذه التحديات، فإن الرسالة باتت واضحة لا لبس فيها حسب سفيان وهي إرادة السلام الديمقراطي قائمة بقوة في الشارع السوداني، ومشروع الجبهة العريضة المدنية قد يكون المنطلق الحقيقي لاستعادة المسار الوطني وبناء سودان مزدهر ومستقر.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.