
غزة: وكالات
من داخل غرفة صغيرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تحاول الطفلة أمينة أحمد موسى الخطيب، البالغة من العمر 10 سنوات، التكيف مع واقعها الجديد بعد أن فقدت أسرتها بالكامل في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلهم خلال العدوان على القطاع.
أمينة هي الناجية الوحيدة من مجزرة وقعت مساء 5 يوليو 2024، عندما قصفت طائرات الاحتلال المنزل الذي نزحت إليه عائلتها هربًا من القصف في منطقة المغراقة. كانت حينها برفقة إخوتها عبيدة، ليان، وسوار، يتابعون فيلم رسوم متحركة على الهاتف المحمول، بينما كان والداها وشقيقها عبد الرحمن في غرفة مجاورة. دقائق قليلة فصلت بينهم وبين الموت.
تروي أمينة تفاصيل اللحظة: “سمعنا صوت انفجار قوي.. شعرت أنني أختنق، ناديت أسماءهم واحدًا تلو الآخر، لكن لم يجبني أحد. لم أفهم ما حدث. كنت أظن أنهم يمزحون”.
انهار المنزل فوق رؤوس من فيه. بقيت أمينة عالقة تحت الركام لساعتين قبل أن تُنتشل من بين الأنقاض بكسر في القدم، لتصطدم بالحقيقة الصادمة: جميع أفراد عائلتها قضوا في القصف.
بعد أسابيع من الحادثة، انتقلت الطفلة للإقامة في منزل عمتها، تحاول استيعاب الغياب الثقيل، لكن المأساة لم تترك لها وقتًا كافيًا للتعافي. ففي منتصف سبتمبر، تعرّض منزل العمة هو الآخر لقصف مباشر أسفر عن مقتل جدتها، وعمها، وابن عمتها. نُقِلت أمينة إلى المستشفى بعد أن قُذف جسدها من الطابق الثالث بسبب قوة الانفجار.
تقول أمينة: “وجدت نفسي خلف باب الفناء.. صرخت، لكنهم اعتقدوا أنني استشهدت، لأنهم لم يجدوني تحت الركام”.
تعيش الطفلة اليوم مع أقاربها في بيت تضرر جزئيًا بفعل القصف، وتحاول استعادة حياتها وسط ركام الذكريات والغياب. تشير إلى زاوية في الغرفة وتقول: “هنا كانت جدتي، وهنا عمي.. أنا لا أزال أراهم في هذا المكان”.
فقدت أمينة كل ما يمكن أن يربطها بعائلتها، حتى التسجيلات الصوتية وصور الهاتف المحمول طُمرت تحت أنقاض بيت العمة. “ضاعت أصواتهم.. كانت تواسيني عندما أشتاق إليهم”.
ومع محاولاتها لمواصلة التعليم رغم الجراح النفسية، تتمسك الطفلة بحلم والدتها الراحلة بأن تُصبح طبيبة، وتقول: “أريد أن أساعد المرضى والجرحى الفقراء، كما كانت تحلم أمي”.
تؤمن أمينة أن شهادتها هي إرثها الوحيد الباقي، وتصر على أن تروي ما حدث لعائلتها، لعله يرد بعضًا من العدالة الغائبة.
Leave a Reply