حتى لاننسى: الشهيدة ستو.. نورٌ أبى أن ينطفئ

في سجل الخلود، تُطالعنا سيرة “ستو”، الاسم الذي وشوشته الألسن همسًا، فصار صدىً يتردد في فضاء الثورة.

هي ست النفور أحمد بكار، فتاةٌ في ريعان الشباب، لم تُكمل ربيعها الرابع والعشرين بعد، لكن روحها كانت أسبق من عمرها بسنواتٍ ضوئية. طالبةٌ في كلية التمريض العالي بجامعة النيلين، تسكن مع عائلتها في رحاب الكدرو بالخرطوم بحري، تلك البقعة التي شهدت أحلامها وطموحاتها.


لم تكن ستو مجرد طالبةٍ تحترف مهنة الرحمة؛ بل كانت فنانةً حاكت أناملها الإبداع، فصممت الأكسسوارات، وشاركت في فعالياتٍ احتفت بالحرف اليدوية ودعمت المشاريع الصغيرة. كان حلمها الأثير أن تُصبح سيدة أعمالٍ حرةٍ وناجحة، تُبني صرحًا من الكفاح والعزيمة.
ولكن القدر، ومعه إرادة شعبٍ أبيّ، خطّ لستو مسارًا آخر. كانت من بين الآلاف الذين انتفضوا نداءً لمدنية الدولة، ورفضًا لانقلاب البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر. في السابع عشر من نوفمبر عام 2021، خرجت الجماهير الهادرة من كل فجٍ وصوب، من مدنٍ وقرى وولايات السودان، تحمل راية السلمية شعارًا، وتهتف بصوتٍ صدح في الآفاق: “لا شراكة، لا تفاوض ولا مساومة مع العسكر”. كان نشيدهم الأبدي “الحكم المدني الكامل والتغيير”، حلمٌ طال انتظاره منذ انطلاق ثورة ديسمبر المجيدة.
خرجت ستو مع من ثاروا، قلبها ينبض بحب الوطن، وروحها تشتاق إلى الحرية. لكن يد الغدر لم تمهلها، ففي مجزرة السابع عشر من نوفمبر، استُشهدت برصاصةٍ غادرة اخترقت رأسها مباشرة، وأردتها قتيلةً في ميدان الرابطة بشمبات. تشير الأصابع إلى تورط شرطة مكافحة الشغب وقوات الاحتياطي المركزي والشرطة السودانية، بالإضافة إلى أفرادٍ مجهولين يرتدون زيًا مدنيًا، في هذه الجريمة البشعة التي وقعت في مليونية رفض الانقلاب.
رحلت ست النفور، لكن وجهها المرسوم بالأبيض والأسود على الأعلام، لم يغدُ مجرد صورة، بل صار رمزًا خالدًا من رموز الثورة، ونجمًا يضيء درب الأجيال القادمة، شاهدًا على تضحيةٍ لن تمحوها الأيام.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.