
بقلم: د. ستنا بشير
في كل عام، تمتلئ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بالتهاني بيوم المرأة العالمي، والمقولات المتداولة عن مكانة المرأة ودورها في المجتمع، وغيرها مما يتكرر كل عام في الثامن من مارس.
مع كامل التقدير لكل هذه الأصوات، وتلك التي تتذمر من تخصيص يوم للاحتفال بالمرأة، أقول: إن ما تريده المرأة لا يمثله كلا الموقفين.
لا نريد يومًا يحتفل فيه العالم بالمرأة ويشكرها ويصفق لها ويهديها الورود والبطاقات، ثم يعود لسابق عهده في اليوم التالي بنظرته الدونية، وتنميطها في إطار ضيق. ما تريده المرأة هو أن تُحترم إنسانيتها في كل يوم، فلا تُمتهن ولا تُذل ولا تتعرض لأي نوع من أنواع العنف اللفظي أو الجسدي.
وأن يُقابل دورها في رعاية أسرتها بالتقدير الذي يستحقه، كما تقدر هي دور الرجل. فهي وإن جُبلت على العطاء ونشأت على التضحية وإنكار الذات، فلا يجوز استغلالها أو استصغار دورها.
في مجتمعنا الذكوري، تُفطم المرأة على أن لُبّ دورها في الحياة هو خدمة الرجل ورعاية أطفالها، متناسين ما كان يقوم به رسول الإنسانية الكريم، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، في بيته من خدمة نفسه وكيفية التعامل مع النساء. وتساهم المرأة – الأم – في ترسيخ هذا المفهوم من خلال تنشئة ابنتها على خدمة إخوانها من الذكور، وتنشئة أولادها على انتظار أن تتم خدمتهم، فتصبح المرأة عدوة نفسها.
نحتاج للتوعية والتنوير في تفاصيل الحياة اليومية، وأكثر ما تحتاجه المرأة هنا، هو الرجل الواعي الذي يقدم القدوة لأولاده. رغم أن ذلك قد يكلفه بعض المزايا التي اكتسبها تاريخيًا، فإنه يصنع مستقبلًا أفضل لبناته.
ما نريده هو الاحتفاء كل صباح بالحياة التي يصنعها التكامل بينها وبين الرجل، والمشاركة بينهما في صنع تفاصيلها. ما تريده المرأة هو إحساس بالأمان في البيت وفي الشارع، بدون قوانين مقيدة للحريات، وبدون قانون نظام عام يتربص بالنساء، بل فقط مسلحين بقيمنا وثقتنا بأنفسنا.
ما تريده المرأة هو وطن آمن، تعيش فيه، وتربي فيه أبناءها دون أن تضطر للزحف تحت الصخور خوفًا من قنابل ترميها طائرات يقودها أبناء بلادها، ودون خوف على حياتها وعرضها وشرفها وأهلها. ودون أن تضطر للعيش في معسكرات تُنتزع فيها إنسانيتها وتتعرض للأهوال في كل لحظة.
وأن لا يكون هناك المزيد من الأرامل من ضحايا الحروب العبثية، وحيدات في مجتمع ذكوري متخلف لا يرى في المرأة الوحيدة سوى فريسة سهلة، وهن بلا عمل ولا يملكن وسيلة لعيش كريم، في بلد لا يجد الباحثون عن العمل من الخريجين وأصحاب الدرجات العلمية والخبرة فيه وظائف. وحينما تبتدع تلك المرأة مصدرًا للرزق الكريم، تتربص بها أجهزة الدولة لتقتطع من قوتها وقوت عيالها وتقابلها بالذل والإهانة، بينما الدولة هي المنوط بها رعاية الأرامل واليتامى وضحايا حروبها العبثية.
ما تريده المرأة هو ألا يضطر أطفالها لترك مدارسهم والعمل في مهن هامشية تنتزع طفولتهم وترمي بهم إلى المجهول.
ما تريده المرأة هو مجتمع تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة والتقدم. مجتمع تتمكن فيه من أن تنال حقها في تعليم مرتبط باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى مناهج ترسخ القيمة الوطنية والإنسانية للفرد والمجتمع، دون تمييز على أساس النوع أو الدين أو الانحدار الاجتماعي أو الجغرافي أو غيره. تعليم يُعينها على أن تطور دورها وذاتها وتعزز قدراتها ومواهبها التي منحها لها الله، دون قيود سياسية، اجتماعية، قانونية أو اقتصادية.
وأن يُتاح للمرأة النضال والعمل، لتنشأ فردًا مستقلًا، معتمدًا على ذاته فكريًا ومعنويًا وماديًا، فتصبح هي المتحكم الرئيسي بقرارها ومصيرها. فعندما خلق الله تبارك وتعالى الذكر والأنثى، خلق المرأة إنسانًا كاملًا، مكلفًا ومسؤولًا عن ذاته، وسيُحاسب على ما فعل بنعم الله والقدرات التي منحها لها. فلا يجوز أن ننتقص منها، بل يجب توعيتها بحقوقها وتثويرها لرفض المظالم التاريخية التي أقعدتها وحجمت دورها. ولطالما احتفى تاريخنا بالمرأة السودانية وهي تتولى القيادة والريادة، فكانت الملكات كنداكة أماني رياس وأماني شاخيتو، ومندي بت السلطان عجبنا، وكثيرات ممن يعجز المقام عن ذكرهن. ولطالما احتفى بهن وهن يساهمن في النضال الوطني، بطلات دخلن التاريخ من أوسع أبوابه، فكانت مهيرة بت عبود، ورابحة الكنانية، وكثيرات ممن يعجز المقام عن ذكرهن.
ومن واجب المرأة تجاه نفسها أن تسعى إلى التحرر والانعتاق من قيود التخلف والتبعية والمفاهيم المتخلفة، وتنتزع مكانتها التي تستحقها في الحياة. أن تملك قرارها وأن تشارك في صنع القرارات التي تمس قضاياها المصيرية، وتساهم في بناء الوطن الذي تحلم به دون أن يُجرّم حراكها. وطن موحد ديمقراطي مزدهر يتعايش أهله في سلام يحتضن تنوعهم، وطن عصري تقدمي يرتقي ببنيه ويأخذ مكانه في مصاف الدول المتقدمة.
التحية والتقدير لنضال المرأة التحرري التقدمي. التحية للنساء الرائدات اللائي كسرن حاجز العادات والتقاليد وما هو مألوف ومتعارف عليه، ووضعن بصماتهن في الحياة، ممهدات الطريق لمن تأتي بعدهن.
وتحية خاصة للنساء في مناطق الحروب والنزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي المعتقلات. تحية للمرأة ونضالها في الوطن العربي وأفريقيا وعموم بلدان العالم الثالث، وهن يدفعن فاتورة حماقات، وأخطاء، وانتهازية، وجهل وتخلف الآخرين، الذين يقررون ويصنعون الحروب وأسلحة فتكها، والنساء في مقدمة من يدفع الثمن.
Leave a Reply