
بقلم: د. أشرف مبارك
#ملف_الهدف_الثقافي
الغناء الذي مجّد مايو أو الإنقاذ أو قيادتَيهما، لم يحظَ به حكم 17 نوفمبر العسكري، الذي لا أعرف له غير الأغنية التي غناها وردي، مُمجّدًا هذا الانقلاب باعتباره ثورة. كما أن هذا الكمّ من الأناشيد والأغنيات لم تحظَ به أيٌّ من الثورات الشعبية، التي وُئدت كلها: إما بعد انتصارها، كما في أكتوبر، أو يوم انتصارها بانحياز الجيش، لكن بقيادة من كانوا بمؤسسات النظام، كما حدث في مارس – أبريل، أو قبل أن تؤتي أُكُلها مثل ديسمبر.
ولن نتحدث هنا عن مآلات الثورات، ولكن لعل جزءًا كبيرًا من شكل الكلمات والغناء كان متأثرًا بذلك. غنّى وردي لانقلاب عبود وقال إن هذه كانت هبّة شعب، والكلمات لـإسماعيل حسن:
هبّ الشعب، طرد جلّادو.. في 17 نوفمبر.. راح الظلم.. الله لا عادو..
غنّى وقال في بدايتها:
جيشنا الباسل هبّ، وعلّى راية الجمهورية،
ولعله ظنّ أن هذه “الحركة المباركة”، كما سماها العسكر، قد تُحرّرهم من قبضة السادة، فقال:
لا سادة، لا رعاع، ولا ضماير تتباع.
ولكن صلاح ابن البادية غنّى مُمجّدًا الفرد، في شخص الفريق إبراهيم عبود:
يا حبيب الملايين… أمل الأمة عندك، أنت القائد.. وكل الشعب جندك.
وقد وجدتُ هذا البيت في موقع “سودانايل” في مقال كتبه بدر الدين حامد الهاشمي (2009). ولم أجد أيّ موقع يذكر هذا النشيد، ولا أي نشيد آخر لـ17 نوفمبر. ومن صفحة “محمد وردي فنان إفريقيا” في فيسبوك، نُشرت حوارات لم تُنشر سابقًا أجراها معاوية يس. يقول وردي عن ذلك النشيد إنه – أي وردي – لم يكن ناضجًا سياسيًا، وأنا أظن أن ظروف تلك الفترة، وصعود نجم العسكر في مصر باعتبارهم “ثوارًا”، كان له أثره في خروج ذلك النشيد.
نعود إلى أغاني مايو. وكما قلنا من قبل، بدأ الغناء للفرد، وتمجيد الفرد باسمه، مذكورًا أو بدون ذكر اسمه. وجاءت أغنيات بالملايين غناها نعم.
وغنّى سيد خليفة من شعر محمود عبد الله قلندر:
أيّدناك، بايعناك يا نميري، أيّدناك.
وغنّى أيضًا: حبيب الشعب يا نميري، يا قائد الشعب يا نميري، وهي من كلمات محمد عبد الله عربي.
وأكّد إبراهيم عوض أنه عندما خرجوا يوم 22 يوليو للشارع أنه كان أعظم استفتاء، غنّى:
يا ريس، براك شُفت، أعظم وأروع استفتا، ونحن معاك، رِخا وشِدّة.
وأبو داوود شدا بلحن لـأحمد زاهر، لكلمات علي ميرغني، قائلًا:
نقولها نعم، وألف نعم، لك يا القائد الملهم، نقولها من الضمير والفم، نقولها نعم، نقولها نعم، عشان أولادنا تتعلّم.
وصدحت البلابل بكلمات جعفر فضل المولى، ولحن بشير عباس:
تسلّم يا أب عاج أخوي يا درّاج المحن، الجِنَيّات بَشّروا، والبنات ليك زغردن، بايعوك راس البلد، وقودوك الرَّسَن.
وغنَّين أيضًا:
يا ثورتنا، كنا زمان بنعيش رجعية.
وطبعًا، “نميري قال كلام“، غنّاها صلاح مصطفى.
وتطول القائمة، إذ تبارى المغنون في مدح مايو، ومدح الرئيس. ولم تكن أغاني مستهجنة من العامة، بل ردّدها الناس، رغم نمو المعارضة في وسط الجماهير، مما جعل لا يمر عام إلا وهناك انقلاب أو مظاهرات. كانت الأغاني إما بمضمون قوي أو كلمات بسيطة، وفيها سلاسة. وتنوّعت ألحانها بين البسيط الخفيف إلى الألحان المعقّدة متعدّدة الكُوبليهات.
غنّى ميرغني المأمون وحسن جمعة:
خليك حريص، إنت القائد وإنت الرئيس، واصل كفاحك.
وأبو عبيدة حسن غنّى:
تسلّم مايو لينا، وليك نسلّم (لـإدريس إبراهيم).
وحسن خليفة العطبراوي:
يا قائد مسار الأمة.
وإسماعيل حسب الدايم:
حباب مايو، حباب عزك.
وكان استماع الناس لهذه الأغاني برغبتهم، أو غصبًا عنهم، في برامج الإذاعة والتلفزيون، ومع ذلك ردّدوا:
راس نميري مطلب شعبي، لن يحكمنا الأمن القومي.
وكان أيضًا ذلك النشيد، الذي ما زال يُردّد حتى اليوم، وسُمّيت به مركبات في عهد الإنقاذ، وهو “أمة الأمجاد“، الذي تغنّى به الثنائي الوطني محمد حميدة ويوسف السماني، وهو من ألحان محمد حميدة. وكان هذا النشيد من كلمات الشاعر المصري – والذي كما قيل – إن النميري أعطاه للثنائي الوطني، وطلب منهما تلحينه وغناءه.
وكان الثنائي الوطني قد ارتبط بمايو ارتباطًا وثيقًا، وأظن أن كل الأجيال التي عاشت أو نشأت في مايو تذكر أغنيتهما مع الصغيرة:
يا مايو، حبيب، زي أمي وأبوي، زي أختي وأخوي، خلّيتنا نحس، بالعزة تهزّ كل كيانّا.. عمر السودان، يا مايو، بدأ في عمرك، وعاش في وجدانّا.
ومن أغانيهما:
يا ريس، سير بعون الله.
وكانت لكلمات أغانيهما طلاوة، ولألحانها حلاوة، يسمعها الناس في الراديو ليلًا، ويخرجون ليتظاهروا لإسقاط النظام نهارًا.
كانت الأغاني، التي تمجّد الطاغية هي الغالبة بعد عامين ونيف من عمر الانقلاب، أو من عمر ثورة مايو كما عرّفتها أدبيات ذلك الزمن. وأظن أن آخرها كان:
خطوة عديلة يا جعفر على الأعداء، الله أكبر، التي حوّرها الناس:
الكهربا جات، املوا الباغات، قبال تقطع.
وما أشرق عيد مايو من جديد، كما غنّى من قبل عز الدين مزمل من كلمات حسن المرضي وألحان عصام بريش:
عيد مايو أشرق من جديد.
وانتهى ذلك التحرك، الذي جاء من كرري ومن خور عمر، كما قال أبو قطاطي، ولحّن أحمد زاهر، وغنّت مجموعة عبد الماجد. ذلك التحرك الذي بسببه:
مايو اتولّد،
كما غنت المجموعة أيضًا من كلمات إبراهيم الرشيد وألحان عبد الماجد خليفة نفسه.
وانتهى ذلك العهد، مخلّفًا رصيدًا هائلًا من الأناشيد والأغاني، التي تمجّده وتمجّد قائده، وانتهى برصيد مقدّر من الأغاني، التي تلعنه وتذم قائده.
وانتهى بلا وانجلى، حمد الله ألف على السلامة.
Leave a Reply