أدب القارة الإفريقية.. الرواية كأنموذج

بقلم: منعم مختار

#ملف_الهدف_الثقافي

لا شك أننا نتفق جميعًا أن الأدب والفن والموسيقى وكل ضروب الإبداع لا تعترف بالجغرافيا، لا تحكمها الحدود الكنتورية، ولا تعترف بجوازات السفر وإجراءات التأشيرات، لأنها قادرة على تجاوز الحدود، والاتصال بالآخرين والتواصل معهم والتأثير عليهم في كل مكان وزمان.

وهذا الوصف والحال ينطبق على أدب القارة الإفريقية وكل فنون القارة السمراء، التي نجحت في وضع بصمات واضحة ومميزة على صفحات الثقافة والإبداع العالمي. فالموسيقى في إفريقيا جابت أنحاء العالم ودقت إيقاعاتها طربًا للناس، وكذا تُرجمت الكثير من روايات الكتاب الأفارقة لعدة لغات، ودُرست بعضها في عدد من الجامعات والمؤسسات المهتمة بقضايا الأدب في مختلف أرجاء المعمورة.

اهتم الأدب في إفريقيا، وبالأخص الرواية، بقضايا شعوب القارة، والتحديات التي تواجهها اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا. وأفردت هذه الأعمال حيزًا كبيرًا للصراع الأزلي بين التقاليد والعادات الموروثة في مواجهة الحداثة والعولمة، وتأثير ذلك على قطاعات الشعب، وبالأخص فئات الشباب والمرأة في المجتمعات الإفريقية. وقد تناول عديد من الأدباء الأفارقة بإسهاب في كتاباتهم موضوع الهوية الثقافية والانتماء لمجتمعاتهم، والبحث عن الذات، والصراع مع المستعمر، وما خلفه من صراع سياسي وفساد وظلم اجتماعي وفقر وجوع عانت منه كثيرًا شعوب إفريقيا.

حديثًا، اتجه الأدب الروائي في إفريقيا إلى تناول ثورة التكنولوجيا وقضايا الهجرة والنزوح واللجوء، وأصبحت هذه الموضوعات قاسمًا مشتركًا بينها، جاء ذلك نتيجة لتوق شعوب إفريقيا للبحث عن وضع أفضل بسبب ما يعانونه من حروب وصراعات دموية لم تتوقف في الكثير من بلدان إفريقيا حتى اليوم.

لقد اتسم الأدب في إفريقيا عمومًا بالتنوع والثراء اللغوي الكبير، فالرواية في إفريقيا لم تُكتب فقط بلهجات سكان إفريقيا، وإنما كتبت بالعربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية. وقد برزت أسماء لأدباء أفارقة زاحمت أعمالهم أعمال كبار الأدباء في العالم. وليس بعيدًا عن الحصر الدقيق، فقد اشتهر الروائي السوداني الطيب صالح، خاصة بروايته “موسم الهجرة إلى الشمال”. كما اشتهر الكاتب المصري نجيب محفوظ، الذي حاز على جائزة نوبل في الأدب، بتناول قضايا الصراع الاجتماعي والفساد في مصر من خلال روايته “اللصوص والكلاب”. كما ذاع صيت الكاتب الجنوب إفريقي نويل موتابيلا، الذي سخر قلمه لقضايا الفصل العنصري في وطنه، وكذلك السنغالي تايب ساليه، الذي تناولت كتاباته موضوعات الهوية الثقافية والبحث عن الذات. أما النيجيري بوك إموندو فقد أفرد أغلب كتاباته للصراع السياسي والفساد في نيجيريا. واحتلت رواية “لا تكن عبدًا آخر” للروائي ذائع الصيت تشينوا أتشيبي النيجيري، التي تعتبر من أهم الروايات في إفريقيا في القرن العشرين، مكانة مرموقة في أدب الرواية، وقد تناول فيها قضايا مهمة كالهوية الثقافية والاستعمار والتغيير الاجتماعي وأثرهم على المجتمع النيجيري.

ومن الروايات الإفريقية الشهيرة، التي تناولت قضية الكفاح من أجل الاستقلال وطرد المحتل والدفاع عن الهوية الثقافية تبرز رواية “الزعيم الحقيقي لنغوغي وا ثيونغو”، التي تعتبر أهم الروايات في كينيا. واشتهر وا ثيونغو بدفاعه المستميت عن هويته الثقافية، وقد ترجم ذلك بامتناعه عن الكتابة بلغة المستعمر، حيث دون كتاباته بلغته المحلية. وفي زيمبابوي تناول الروائي داندجو مامادي في روايته “بيت العظات” قضايا الفقر والجوع والصراع السياسي. وتناول الجزائري واسيني الأعرج المشهور بدفاعه المستميت عن فلسطين وحتمية تحريرها وخروج المحتل، تناول في روايته “البحث عن الجد الأكبر” الهوية والبحث عن الذات.

وبالطبع لم تخلُ ساحة الأدب الإفريقي من كتابات المرأة الإفريقية، وقد اشتهرت بينهن النيجيرية يميي أوسينباجو بروايتها “الزهرة البرية”، التي تناولت فيها صراع الهوية. وفي المغرب العربي اشتهرت روايات تتحدث عن الحب والصراع الاجتماعي وتخاطف القراء روايات “ذاكرة الجسد”، “فوضى الإحساس”، “عابر سرير” للمبدعة الجزائرية أحلام مستغانمي. وكذلك الكينية جريس أوجو، التي اشتهرت بتناولها لقضايا المرأة والتقاليد في المجتمع الكيني، ولها العديد من الروايات والقصص القصيرة.

ولا يفوتني أن أقول أن كثيرًا من الأدباء الأفارقة واصلوا مسيرة إبداعاتهم في المهجر خاصة الشباب منهم، باحثين عن الذات وهموم الهجرة والحفاظ على ثقافاتهم المحلية.

مما لا شك فيه أن من العسير على هذه العجالة أن تحتوي صفحات الأدب في إفريقيا، لكن المؤكد أن أدب الأفارقة سيظل بوابة مشرعة إلى عالم زاخر بالحكايات، التي تعكس هموم القارة السمراء، ونضالات شعوبها وقصصها، التي تنبض بالحياة، وتعبر بصدق عن الإنسان الإفريقي وهو يبحث عن هويته التي نُهبت، وحريته التي سُلبت، وثرواته التي بددت في هذا الكون الظالم.

مراجع:

  • موقع الرواية الإفريقية، African Fiction Website
  • موقع الأدب الإفريقي، Website African Literature

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.